بل هو أقرب، وقال الزجاج : المراد به الإبهام عن المخاطبين أنه تعالى يأتي بالساعة إما بقدر لمح البصر أو بما هو أسرع.
قال القاضي : هذا لا يصح، لأن إقامة الساعة ليست حال تكليف حتى يقال إنه تعالى يأتي بها في زمان، بل الواجب أن يخلقها دفعة واحدة في وقت واحد، ويفارق ما ذكرناه في ابتداء خلق السموات والأرض لأن تلك الحال حال تكليف، فلم يمتنع أن يخلقهما كذلك لما فيه من مصحلة الملائكة.
واعلم أن هذا الاعتراض إنما يستقيم على مذهب القاضي، أما على قولنا في أنه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فليس له قوة والله أعلم، ثم إنه تعالى عاد إلى الدلائل الدالة على وجود الصانع المختار فقال :﴿والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قرأ حمزة والكسائي ﴿إمهاتكم﴾ بكسر الهمزة، والباقون بضمها.
المسألة الثانية :
أمهاتكم أصله أماتكم، إلا أنه زيد الهاء فيه كما زيد في أراق فقيل : إهراق وشذت زيادتها في الواحدة في قوله :
أمهتي خندف واليأس أبي.. المسألة الثالثة :
الإنسان خلق في مبدأ الفطرة خالياً عن معرفة الأشياء.
ثم قال تعالى :﴿وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة﴾ والمعنى : أن النفس الإنسانية لما كانت في أول الخلقة خالية عن المعارف والعلوم بالله، فالله أعطاه هذه الحواس ليستفيد بها المعارف والعلوم، وتمام الكلام في هذا الباب يستدعي مزيد تقرير فنقول : التصورات والتصديقات إما أن تكون كسبية، وإما أن تكون بديهية، والكسبيات إنما يمكن تحصيلها بواسطة تركيبات البديهيات، فلا بد من سبق هذه العلوم البديهية، وحينئذ لسائل أن يسأل فيقول : هذه العلوم البديهية إما أن يقال إنها كانت حاصلة منذ خلقنا أو ما كانت حاصلة.
والأول باطل لأنا بالضرورة نعلم أنا حين كنا جنيناً في رحم الأم ما كنا نعرف أن النفي والإثبات لا يجتمعان، وما كنا نعرف أن الكل أعظم من الجزء.


الصفحة التالية
Icon