وقال قوم : معناه لا يسألون أن يرجعوا عن ما كانوا عليه في الدنيا، فهذا استعتاب معناه طلب عتباهم، ونحوه قول من قال : ولا هم يسترضون أي : لا يقال لهم ارضوا ربكم، لأنّ الآخرة ليست بدار عمل قاله الزمخشري.
وقال الطبري : معناه يعطون الرجوع إلى الدنيا فيقع منهم توبة وعمل.
قال الزمخشري :( فإن قلت ) : فما معنى ثم هذه؟ ( قلت ) : معناها انهم يمنون بعد شهادة الأنبياء بما هو أطم منه، وأنهم يمنعون الكلام فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة، ولا إدلاء بحجة انتهى.
ولما كانت حالة العذاب في الدنيا مخالفة لحال الآخرة إذ من رأى العذاب في الدنيا رجا أن يؤخر عنه، وإن وقع فيه أن يخفف عنه، أخبر تعالى أن عذاب الآخرة لا يكون فيه تخفيف ولا نظرة.
والظاهر أنّ جواب إذا قوله فلا يخفف، وهو على إضمار هو أي : فهو لا يخفف، لأنه لولا تقدير الإضمار لم تدخل الفاء، لأن جواب إذا إذا كان مضارعاً لا يحتاج إلى دخول الفاء، سواء كان موجباً أم منفياً، كما قال تعالى :
﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر ﴾ وتقول : إذا جاء زيد لا يجيء عمرو.
قال الحوفي : فلا يخفف جواب إذا، وهو العامل في إذا، وقد تقدم لنا أنّ ما تقدم فاء الجواب في غير أما لا تعمل فيما قبله، وبينا أنّ العامل في إذا الفعل الذي يليها كسائر أدوات الشرط، وإن كان ليس قول الجمهور.
وجعل الزمخشري جواب إذا محذوفاً فقال : وقد قدر العامل في يوم نبعث مجزوماً قال : ويوم نبعث وقعوا فيما وقعوا فيه، وكذلك وإذا رأوا العذاب بغتهم وثقل عليهم فلا يخفف ولا هم ينظرون كقوله :﴿ بل تأتيهم بغتة ﴾ فتبهتهم الآية انتهى.
والظاهر أن قوله : شركاءهم، عام في كل من اتخذوه شريكاً لله من صنم ووثن وآدمي وشيطان وملك، فيكذبهم من له منهم عقل، فيكون : فألقوا عائداً على من له الكلام، ويجوز أن يكون عاماً ينطق الله تعالى بقدرته الأوثان والأصنام.


الصفحة التالية