وقال ابن العربى :
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إلَى حِينٍ ﴾.
فِيهَا ثَمَانِي مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :﴿ مِنْ بُيُوتِكُمْ ﴾ : اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ لِسُلُوكِ سَبِيلِ الْمَعَارِفِ أَنَّ كُلَّ مَا عَلَاك فَأَظَلَّك فَهُوَ سَقْفٌ، وَكُلَّ مَا أَقَلَّك فَهُوَ أَرْضٌ، وَكُلَّ مَا سَتَرَك مِنْ جِهَاتِك الْأَرْبَعِ فَهُوَ جِدَارٌ، فَإِذَا انْتَظَمَتْ وَاتَّصَلَتْ فَهُوَ بَيْتٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ سَكَنًا ﴾ : يَعْنِي مَحَلًّا تَسْكُنُونَ فِيهِ، وَتَهْدَأُ جَوَارِحُكُمْ عَنْ الْحَرَكَةِ، وَقَدْ تَتَحَرَّكُ فِيهِ، وَتَسْكُنُ فِي غَيْرِهِ، إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ خَرَجَ فِيهِ عَلَى غَالِبِ الْحَالِ، وَهُوَ أَنَّ الْحَرَكَةَ تَكُونُ فِيمَا خَرَجَ عَنْ الْبَيْتِ، فَإِذَا عَادَ الْمَرْءُ إلَيْهِ سَكَنَ.
وَبِهَذَا سُمِّيَتْ مَسَاكِنُ لِوُجُودِ السُّكُونِ فِيهَا فِي الْأَغْلَبِ، وَعُدَّ هَذَا فِي جُمْلَةِ النِّعَمِ، فَإِنَّهُ لَوْ خُلِقَ الْعَبْدُ مُضْطَرِبًا أَبَدًا كَالْأَفْلَاكِ لَكَانَ ذَلِكَ كَمَا خُلِقَ وَأَرَادَ، وَلَوْ خُلِقَ سَاكِنًا كَالْأَرْضِ لَكَانَ كَمَا خُلِقَ وَأَرَادَ، وَلَكِنَّهُ أَوْجَدَهُ خَلْقًا يَتَصَرَّفُ بِالْوَجْهَيْنِ، وَيَخْتَلِفُ حَالُهُ بَيْنَ الْحَالَيْنِ، وَرَدَّدَهُ بَيْنَ كَيْفَ وَأَيْنَ.


الصفحة التالية
Icon