ولما أمر بالوفاء ونهى عن النقض، شرع في تأكيد وجوب الوفاء وتحريم النقض وتقبيحه تنفيراً منه فقال تعالى :﴿ولا تكونوا﴾ أي في نقضكم لهذا الأمر المعنوي ﴿كالتي نقضت غزلها﴾ ولما كان النقض لم يستغرق زمان البعد، قال تعالى :﴿من بعد قوة﴾ عظيمة حصلت له ﴿أنكاثاً﴾ أي أنقاضاً، جمع نكث وهو كل شيء نقض بعد الفتل سواء كان حبلاً أو غزلاً، فهو مصدر مجموع من نقضت لأنه بمعنى نكثت، قال في القاموس : النكث - بالكسر أن تنقض أخلاق الأكسية لتغزل ثانية.
فيكون مثل جلست قعوداً، أي فتكونوا بفعلكم ذلك كهذه المرأة التي ضربتم المثل بها في الخرق مع ادعائكم أنه يضرب بأدناكم المثل في العقل، ثم وصل بذلك ما يعرف أنهم أسفه من تلك المرأة بسبب أن ضررها لا يتعداها، وأما الضرر بفعلهم فإنه مفسد لذات البين فقال تعالى :﴿تتخذون﴾ أي بتكليف الفطرة الأولى ضد ما تدعو إليه من الوفاء ﴿أيمانكم دخلاً﴾ أي فيضمحل كونها أيماناً إلى كونها ذريعة إلى الفساد بالخداع والغرور ﴿بينكم﴾ من حيث إن المحلوف له يطمئن فيفجأه الضرر، ولو كان على حذر لما نيل منه ولا جسر عليه، وكل ما أدخل في الشيء على فساد فهو دخل ﴿إن﴾ أي تفعلون ذلك بسب أن ﴿تكون أمة﴾ أي وهي الخادعة أو المخدوعة لأجل سلامتها ﴿هي﴾ أي خاصة ﴿أربى﴾ أي أزيد وأعلى ﴿من أمة﴾ في القوة أو العدد، فإذا وجدت نفاداً لزيادتها غدرت.


الصفحة التالية
Icon