وأما الإحسان فاعلم أن الزيادة على العدل قد تكون إحساناً وقد تكون إساءة مثاله : أن العدل في الطاعات هو أداء الواجبات أما الزيادة على الواجبات فهي أيضاً طاعات وذلك من باب الإحسان، وبالجملة فالمبالغة في أداء الطاعات بحسب الكمية وبحسب الكيفية هو الإحسان.
والدليل عليه : أن جبريل لما سأل النبي ﷺ عن الإحسان قال :" الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "
فإن قالوا : لم سمي هذا المعنى بالإحسان ؟
قلنا : كأنه بالمبالغة في الطاعة يحسن إلى نفسه ويوصل الخير والفعل الحسن إلى نفسه، والحاصل أن العدل عبارة عن القدر الواجب من الخيرات، والإحسان عبارة عن الزيادة في تلك الطاعات بحسب الكمية وبحسب الكيفية، وبحسب الدواعي والصوارف، وبحسب الاستغراق في شهود مقامات العبودية والربوبية، فهذا هو الإحسان.
واعلم أن الإحسان بالتفسير الذي ذكرناه دخل فيه التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلق الله، ومن الظاهر أن الشفقة على خلق الله أقسام كثيرة وأشرفها وأجلها صلة الرحم لا جرم أنه سبحانه أفرده بالذكر فقال :﴿وَإِيتَآء ذِى القربى﴾ فهذا تفصيل القول في هذه الثلاثة التي أمر الله تعالى بها.
وأما الثلاثة التي نهى الله عنها، وهي الفحشاء والمنكر والبغي فنقول : إنه تعالى أودع في النفس البشرية قوى أربعة، وهي الشهوانية البهيمية والغضبية السبعية والوهمية الشيطانية والعقلية الملكية وهذه القوة الرابعة أعني العقلية الملكية لا يحتاج الإنسان إلى تأديبها وتهذيبها، لأنها من جواهر الملائكة، ومن نتائج الأرواح القدسية العلوية، إنما المحتاج إلى التأديب والتهذيب تلك القوى الثلاثة الأولى.