أما القوة الشهوانية، فهي إنما ترغب في تحصيل اللذات الشهوانية، وهذا النوع مخصوص باسم الفحش، ألا ترى أنه تعالى سمى الزنا فاحشة فقال :﴿إِنَّهُ كَانَ فاحشة وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً﴾ [ النساء : ٢٢ ] فقوله تعالى :﴿وينهى عَنِ الفحشاء﴾ المراد منه المنع من تحصيل اللذات الشهوانية الخارجة عن إذن الشريعة، وأما القوة الغضبية السبعية فهي : أبداً تسعى في إيصال الشر والبلاء والإيذاء إلى سائر الناس، ولا شك أن الناس ينكرون تلك الحالة، فالمنكر عبارة عن الإفراط الحاصل في آثار القوة الغضبية.
وأما القوة الوهمية الشيطانية فهي أبداً تسعى في الاستعلاء على الناس والترفع وإظهار الرياسة والتقدم، وذلك هو المراد من البغي، فإنه لا معنى للبغي إلا التطاول على الناس والترفع عليهم، فظهر بما ذكرنا أن هذه الألفاظ الثلاثة منطبقة على أحوال هذه القوى الثلاثة، ومن العجائب في هذا الباب أن العقلاء قالوا : أخس هذه القوى الثلاثة هي الشهوانية، وأوسطها الغضبية وأعلاها الوهمية.
والله تعالى راعى هذا الترتيب فبدأ بالفحشاء التي هي نتيجة القوة الشهوانية، ثم بالمنكر الذي هو نتيجة القوة الغضبية، ثم بالبغي الذي هو نتيجة القوة الوهمية، فهذا ما وصل إليه عقلي وخاطري في تفسير هذه الألفاظ، فإن يك صواباً فمن الرحمن، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله عنه بريئان والحمد لله على ما خصنا بهذا النوع من الفضل والإحسان إنه الملك الديان.
ثم قال تعالى :﴿يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ والمراد بقوله تعالى :﴿يَعِظُكُمْ﴾ أمره تعالى بتلك الثلاثة ونهيه عن هذه الثلاثة :﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
أنه تعالى لما قال في الآية الأولى :﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَانًا لّكُلّ شَىْء ﴾