[ النحل : ٨٩ ] أردفه بهذه الآية مشتملة على الأمر بهذه الثلاثة، والنهي عن هذه الثلاثة، كان ذلك تنبيهاً على أن المراد بكون القرآن تبياناً لكل شيء هو هذه التكاليف الستة وهي في الحقيقة كذلك، لأن جوهر النفس من زمرة الملائكة ومن نتائج الأرواح العالية القدسية إلا أنه دخل في هذا العالم خالياً عارياً عن التعلقات فتلك الثلاثة التي أمر الله بها هي التي ترقيها بالمعارف الإلهية والأعمال الصالحة، وتلك المعارف والأعمال هي التي ترقيها إلى عالم الغيب وسرادقات القدس، ومجاورة الملائكة المقربين في جوار رب العالمين، وتلك الثلاثة التي نهى الله عنها هي التي تصدها عن تلك السعادات وتمنعها عن الفوز بتلك الخيرات، فلما أمر الله تعالى بتلك الثلاثة، ونهى عن هذه الثلاثة فقد نبه على كل ما يحتاج إليه المسافرون من عالم الدنيا إلى مبدأ عرصة القيامة.
المسألة الثانية :
قال الكعبي : الآية تدل على أنه تعالى لا يخلق الجور والفحشاء، وذلك من وجوه : الأول : أنه تعالى كيف ينهاهم عما يخترعه فيهم، وكيف ينهى عما يريد تحصيله فيهم ولو كان الأمر كما قالوا لكان كأنه تعالى قال : إن الله يأمركم أن تفعلوا خلاف ما خلقه فيكم وينهاكم عن أفعال خلقها فيكم، ومعلوم أن ذلك باطل في بديهة العقل.
والثاني : أنه تعالى لما أمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، فلو أنه تعالى أمر بتلك الثلاثة ثم إنه ما فعلها لدخل تحت قوله :﴿أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾ [ البقرة : ٤٤ ].
وتحت قوله :﴿لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون﴾ [ الصف : ٢، ٣ ] الثالث : أن قوله :﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ ليس المراد منه الترجي والتمني، فإن ذلك محال على الله تعالى، فوجب أن يكون معناه أنه تعالى يعظكم لإرادة أن تتذكروا طاعته، وذلك يدل على أنه تعالى يريد الإيمان من الكل.


الصفحة التالية
Icon