قال القاضي أبو محمد : وتغيير المنكر فرض على الولاة، إلا أن المغير لا يعنّ لمستور، ولا يعمل ظناً، ولا يتجسس، ولا يغير إلا ما بدت صفحته، ويكون أمره ونهيه بمعروف، وهذا كله لغير الولاة ألزم وفرض على المسلمين عامة، ما لم يخف المغير إذاية أو ذلاً، ولا يغير المؤمن بيده ما وجد سلطاناً، فإن عدمه غير بيده، إلا أنه لا يصل إلى نصب القتال والمدارأة وإعمال السلاح إلا مع الرياسة والإمام المتبع، وينبغي للناس أن يغير المنكر منهم كل أحد تقي وغير تقي، ولو لم يغير إلا تقي لم يتغير منكر في الأغلب، وقد ذم الله تعالى قوماً بأنهم لم يتناهوا عن منكر فعلوه، فقد وصفهم بفعله وذمهم لما لم يتناهوا عنه وكل منكر فيه مدخل للنظر فلا مدخل لغير حملة العلم فيه، فهذه نبذة من القول في تغيير المنكر تضمنت ثمانية شروط، وروي أن جماعة رفعت على عاملها إلى أبي جعفر المنصور العباسي، فحاجها العامل وغلبها بأنهم لم يبينوا عليه كبيرة ظلم، ولا جوروه له في شيء، فقام فتى من القوم، فقال يا أمير المؤمنين : إن الله أمر ﴿ بالعدل والإحسان ﴾، وأنه عدل ولم يحسن، قال : فعجب أبو جعفر من إصابته وعزل العامل، وقوله ﴿ وأوفوا بعهد الله ﴾، الآية مضمن قوله ﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾ الآية، افعلوا كذا وانتهوا عن كذا، فعطف على ذلك التقدير قوله ﴿ وأوفوا ﴾، و" عهد الله " لفظ عام لجميع ما يعقد باللسان ويلتزمه الإنسان من بيع أو صلة أو مواثقة في أمر موافق للديانة، وبالجملة كل ما كان طاعة بين العاهد وبين ربه، كان فيه نفع للغير أو لم يكن، وقوله ﴿ ولا تنقضوا الأيمان ﴾ خص في هذه الألفاظ العهود التي تقترن بها أيمان تهمماً بها وتنبيهاً عليها.


الصفحة التالية
Icon