قيل : وجه ذلك والله أعلم أنه لمّا أعلم الله عباده بأن ضرر البغي ينصرف على الباغي بقوله :"إنما بغيكم على أنفسكم" وضمِن تعالى نُصرة من بُغِيَ عليه، كان الأولى بمن بغي عليه شكر الله على ما ضمن من نصره ومقابلة ذلك بالعفو عمن بَغى عليه ؛ وكذلك فعل النبيّ ﷺ باليهودي الذي سحره، وقد كان له الانتقام منه بقوله :﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ [ النحل : ١٢٦ ] ولكن آثر الصفح أخذاً بقوله :﴿ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور ﴾ [ الشورى : ٤٣ ].
السادسة تضمنت هذه الآية الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر، وقد تقدّم القول فيهما.
روي أن جماعة رفعت عاملها إلى أبي جعفر المنصور العباسي، فحاجّها العامل وغلبها، بأنهم لم يُثبتوا عليه كبير ظلم ولا جوره في شيء ؛ فقام فتًى من القوم فقال : يا أمير المؤمنين، إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإنه عدل ولم يحسن.
قال : فعجب أبو جعفر من إصابته وعزل العامل.
﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (٩١) ﴾
فيه ثلاث مسائل :
الأولى قوله تعالى :﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله ﴾ لفظٌ عام لجميع ما يُعقد باللسان ويلتزمه الإنسان من بيع أو صلة أو مواثقة في أمر موافق للديانة.
وهذه الآية مضمّن قوله ﴿ إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان ﴾ لأن المعنى فيها : افعلوا كذا، وانتهوا عن كذا ؛ فعطف على ذلك التقدير.
وقد قيل : إنها نزلت في بيعة النبيّ ﷺ على الإسلام.
وقيل : نزلت في التزام الحِلف الذي كان في الجاهلية وجاء الإسلام بالوفاء به ؛ قاله قتادة ومجاهد وابن زيد.
والعموم يتناول كل ذلك كما بيناه.