قال العلماء : فهذا الحِلف الذي كان في الجاهلية هو الذي شدّه الإسلام وخصّه النبيّ عليه الصلاة والسلام من عموم قوله :" لا حِلْف في الإسلام " والحكمة في ذلك أن الشرع جاء بالانتصار من الظالم وأخذ الحق منه وإيصاله إلى المظلوم، وأوجب ذلك بأصل الشريعة إيجاباً عاماً على من قدر من المكلّفين، وجعل لهم السبيل على الظالمين فقال تعالى :﴿ إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس وَيَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق أولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
[ الشورى : ٤٢ ].
وفي الصحيح من قوله :" أنُصر أَخاك ظالماً أو مظلوماً" قالوا : يا رسول الله، هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال :"تأخذ على يديه " في رواية :" تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره " وقد تقدّم قوله عليه السلام :" إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ".
الثانية قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ﴾ يقول بعد تشديدها وتغليظها ؛ يقال : توكيد وتأكيد، ووكَدّ وأكّد، وهما لغتان.
الثالثة قوله تعالى :﴿ وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً ﴾ يعني شهيداً.
ويقال حافظاً، ويقال ضامناً.
وإنما قال "بَعْدَ تَوْكِيدِها" فَرْقاً بين اليمين المؤكّدة بالعزم وبين لَغْو اليمين.
وقال ابن وهب وابن القاسم عن مالك : التوكيد هو حلِف الإنسان في الشيء الواحد مراراً، يردّد فيه الأيمان ثلاثاً أو أكثر من ذلك ؛ كقوله : والله لا أُنقصه من كذا، والله لا أنقصه من كذا، والله لا أنقصه من كذا.
قال : فكفارة ذلك واحدةٌ مثل كفّارة اليمين.
قال يحيى بن سعيد : هي العهود، والعهد يمين، ولكن الفرق بينهما أن العهد لا يكفّر.


الصفحة التالية
Icon