وأجيب بأن وجوب الكفارة بطريق الزجر إذ أصل الايمان الانعقاد ولو محظورة فلا ينافي لزوم موجبها، وجوز أن يقال : إن ذلك للإقدام على الحلف بالله تعالى في غير محله فليتأمل، والتوكيد التوثيق، ومنه أكد بقلب الواو همزة على ما ذهب إليه الزجاج وغيره، من النحاة، وذهب آخرون إلى أن وكد وأكد لغتان أصليتان لأن الاستعمالين في المادة متساويان فلا يحن القول بأن الواو بدل من الهمزة كما في "الدر المصون" وهو الذي اختاره أبو حيان.
﴿ وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً ﴾ أي شاهداً رقيباً فإن الكفيل مراع لحال المكفول به رقيب عليه واستعمال الكفيل في ذلك إما من باب الاستعارة أو المجاز المرسل والعلاقة اللزوم.
والظاهر أن جعلهم مجاز أيضاً لأنهم لمافعلواذلك والله تعالى مطلع عليهم فكأنهم جعلوه سبحانه شاهداً قتاله الخفاجي ثم قال : ولو أبقى الكفيل على ظاهره وجعل تمثيلاً لعدم تخلصهم من عقوبته وأنه يسلمهم لها كما يسلم الكفيل من كفله كما يقال : من ظلم فقد أقام كفيلاً بظلمه تنبيهاًعلى أنه لا يمكنه التخلص من العقوبة كما ذكره الراغب لكان معنى بليغاً جداً فتدبر، والظاهر أن الجملة في موضع الحال من فاعل ﴿ تَنقُضُواْ ﴾ وجوز أن تكون حالاً من فاعل المصدر وإن كان محذوفاً، وقوله سبحانه :﴿ إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ أي من النقض فيجازيكم على ذلك في موضع التعليل للنهي السابق، وقال الخفاجي : إنه كالتفسير لما قبله.
﴿ وَلاَ تَكُونُواْ ﴾ فيما تصنعون من النقض ﴿ كالتى نَقَضَتْ غَزْلَهَا ﴾ مصدر بمعنى المفعول أي مغزولها، والفعل منه غزل يغزل بكسر الزاي، والنقض ضد الإبرام، وهو في الجرم فك أجزائه بعضاً من بعض، وقوله تعالى :﴿ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ﴾ متعلق بنقضت على أنه ظرف له لا حال ومن زائدة مطردة في مثله أي كالمرأة التي نقضت غزلها من بعد إبرامه وإحكامه.


الصفحة التالية
Icon