والجواب : ذكروا فيه وجوهاً قيل : هو الرزق الحلال الطيب.
وقيل : عبادة الله مع أكل الحلال، وقيل : القناعة، وقيل : رزق يوم بيوم كان النبي ﷺ يقول في دعائه :" قنعني بما رزقتني " وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه كان يدعو :" اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً " قال الواحدي وقول من يقول : إن القناعة حسن مختار لأنه لا يطيب عيش أحد في الدنيا إلا عيش القانع وأما الحريص فإنه يكون أبداً في الكد والعناء.
واعلم أن عيش المؤمن في الدنيا أطيب من عيش الكافر لوجوه : الأول : أنه لما عرف أن رزقه إنما حصل بتدبير الله تعالى، وعرف أنه تعالى محسن كريم لا يفعل إلا الصواب كان راضياً بكل ما قضاه وقدره، وعلم أن مصلحته في ذلك، أما الجاهل فلا يعرف هذه الأصول فكان أبداً في الحزن والشقاء.
وثانيها : أن المؤمن أبداً يستحضر في عقله أنواع المصائب والمحن ويقدر وقوعها وعلى تقدير وقوعها يرضى بها، لأن الرضا بقضاء الله تعالى واجب، فعند وقوعها لا يستعظمها بخلاف الجاهل فإنه يكون غافلاً عن تلك المعارف، فعند وقوع المصائب يعظم تأثيرها في قلبه.
وثالثها : أن قلب المؤمن منشرح بنور معرفة الله تعالى، والقلب إذا كان مملوءاً من هذه المعارف لم يتسع للأحزان الواقعة بسبب أحوال الدنيا، أما قلب الجاهل فإنه خال عن معرفة الله تعالى فلا جرم يصير مملوءاً من الأحزان الواقعة بسبب مصائب الدنيا.
ورابعها : أن المؤمن عارف بأن خيرات الحياة الجسمانية خسيسة فلا يعظم فرحه بوجدانها وغمه بفقدانها، أما الجاهل فإنه لا يعرف سعادة أخرى تغايرها فلا جرم يعظم فرحه بوجدانها وغمه بفقدانها.
وخامسها : أن المؤمن يعلم أن خيرات الدنيا واجبة التغير سريعة التقلب فلولا تغيرها وانقلابها لم تصل من غيره إليه.