والآية دليل على نسخ القرآن بالقرآن وهي ساكتة عن نفي نسخه بغير ذلك مما فصل في كتب الأصول.
﴿ قُلْ نَزَّلَهُ ﴾ أي القرآن المدلول عليه بالآية، وقال الطبرسي : أي الناسخ المدلول عليه بما تقدم ﴿ رُوحُ القدس ﴾ يعني جبريل عليه السلام وأطلق عليه ذلك من حيث انه ينزل بالقدس من الله تعالى أي مما يطهر النفوس من القرآن والحكمة والفيض الإلهي، وقيل : لطهره من الادناس البشرية، والإضافة عند بعض للاختصاص كما في ﴿ رَبّ العزة ﴾ [ الصافات : ١٨٠ ] وجعلها بعض المحققين من إضافة الموصوف للصفة على جعله نفس القدس مبالغة نحو خبر سوء ورجل صدق على ما ارتضاه الرضى، ومثل ذلك حاتم الجود وسحبان الفصاحة وخالف في ذلك صاحب الكشف مختاراً أنها للاختصاص، ولا يخفى ما في صيغة الاتفعيل بناء على القول بأنها تفيد التدريج من المناسبة لمقتضى المقام لما فيها من الإشارة إلى أنه أنزل دفعات على حسب المصالح ﴿ مِن رَبّكَ ﴾ في إضافة الرب إلى ضميره ﷺ من الدلالة على تحقيق إفاضة آثار الربوبية عليه عليه الصلاة والسلام ما ليس في إضافته إلى ياء المتكلم المنبئة عن التلقين المحض كما في إرشاد العقل السليم، وكأنه اعتناء بأمر هذه الدلالة لم يقل من ربكم على أن في ترك خطابهم من حط قدرهم ما فيه، و﴿ مِنْ ﴾ لابتداء الغاية مجازاً ﴿ بالحق ﴾ أي ملتبساً بالحكمة المقتضية له بحيث لا يفارقها ناسخاً كان أو منسوخاً ﴿ لِيُثَبّتَ الذين ءامَنُواْ ﴾ أي على الإيمان بما يجب الإيمان به لما فيه من الحجج القاطعة والأدلة الساطعة أو على الإيمان بأنه كلامه تعالى فانهم إذا سمعوا الناسخ وتدبروا ما فيه من رعاية المصالح رسخت عقائدهم واطمأنت به قلوبهم، وأول بعضهم الآية على هذا الوجه بقوله : ليبين ثباتهم وتعقب بأنه لا حاجة إليه إذا لتثبيت بعد النسخ لم يكن قبله فإن نظر إلى مطلق الإيمان صح.
وقرىء ﴿ لِيُثَبّتَ ﴾ من الأفعال.