الثالث : أن العلوم الموجودة في القرآن كثيرة وتعلمها لا يتأتى إلا إذا كان المعلم في غاية الفضل والتحقيق، فلو حصل فيهم إنسان بلغ في التعليم والتحقيق إلى هذا الحد لكان مشاراً إليه بالأصابع في التحقيق والتدقيق في الدنيا، فكيف يمكن تحصيل هذه العلوم العالية والمباحث النفيسة من عند فلان وفلان ؟
واعلم أن الطعن في نبوة رسول الله ﷺ بأمثال هذه الكلمات الركيكة يدل على أن الحجة لرسول الله ﷺ كانت ظاهرة باهرة، فإن الخصوم كانوا عاجزين عن الطعن فيها، ولأجل غاية عجزهم عدلوا إلى هذه الكلمات الركيكية.
المسألة الثانية :
في هذه الآية دلالة قوية على أن الكذب من أكبر الكبائر وأفحش الفواحش والدليل عليه أن كلمة "إنما" للحصر، والمعنى : أن الكذب والفرية لا يقدم عليهما إلا من كان غير مؤمن بآيات الله تعالى، وإلا من كان كافراً وهذا تهديد في النهاية.
فإن قيل : قوله :﴿لاَ يُؤْمِنُونَ بآيات الله﴾ فعل وقوله :﴿وأولئك هُمُ الكاذبون﴾ اسم وعطف الجملة الإسمية على الجملة الفعلية قبيح فما السبب في حصوله ههنا ؟
قلنا : الفعل قد يكون لازماً وقد يكون مفارقاً، والدليل عليه قوله تعالى :﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات لَيَسْجُنُنَّهُ حتى حِينٍ﴾ [ يوسف : ٣٥ ] ذكره بلفظ الفعل، تنبيهاً على أن ذلك السجن لا يدوم.
وقال فرعون لموسى عليه السلام :﴿لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِى لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين﴾ [ الشعراء : ٢٩ ] ذكره بصيغة الاسم تنبيهاً على الدوام، وقال أصحابنا : إنه تعالى قال :﴿وعصى ءَادَمَ رَبَّهُ فغوى﴾ [ طه : ١٢١ ] ولا يجوز أن يقال إن آدم عاصٍ وغاوٍ، لأن صيغة الفعل لا تفيد الدوام، وصيغة الاسم تفيده.