أنه تعالى لما ذكر في الآية المتقدمة حال من كفر بالله من بعد إيمانه وحال من أكره على الكفر، فذكر بسبب الخوف كلمة الكفر وحال من لم يذكرها، ذكر بعده حال من هاجر من بعد ما فتن فقال :﴿إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجروا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ﴾.
المسألة الثانية :
قرأ ابن عامر :﴿فَتَنُواْ﴾ بفتح الفاء على إسناد الفعل إلى الفاعل، والباقون بضم الفاء على فعل ما لم يسم فاعله.
أما وجه القراءة الأولى فأمور.
الأول : أن يكون المراد أن أكابر المشركين وهم الذين آذوا فقراء المسلمين لو تابوا وهاجروا وصبروا فإن الله يقبل توبتهم.
والثاني : أن فتن وأفتن بمعنى واحد، كما يقال : مان وأمان بمعنى واحد، والثالث : أن أولئك الضعفاء لما ذكروا كلمة الكفر على سبيل التقية فكأنهم فتنوا أنفسهم، وإنما جعل ذلك فتنة، لأن الرخصة في إظهار كلمة الكفر ما نزلت في ذلك الوقت.
وأما وجه القراءة بفعل ما لم يسم فاعله فظاهر، لأن أولئك المفتونين هم المستضعفون الذين حملهم أقوياء المشركين على الردة والرجوع عن الإيمان، فبين تعالى أنهم إذا هاجروا وجاهدوا وصبروا فإن الله تعالى يغفر لهم تكلمهم بكلمة الكفر.
المسألة الثالثة :
قوله :﴿مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ﴾ يحتمل أن يكون المراد بالفتنة هو أنهم عذبوا، ويحتمل أن يكون المراد هو أنهم خوفوا بالتعذيب، ويحتمل أن يكون المراد أن أولئك المسلمين ارتدوا.