ولما كان سبحانه يقبل اليسير من العمل في أي وقت كان، أشار إلى ذلك بالجار فقال تعالى مبيناً أن الفتنة بالأذى - وإن كان بالغاً - غير قادحة في الهجرة وما تبعها، فيفيد ذلك في الهجرة بدونها من باب الأولى ﴿من بعد ما فتنوا﴾ بالبناء للمجهول - على قراءة الجماعة، لأن المضر هو الفتنة مطلقاً، وللفاعل على قراءة ابن عامر، أي ظلموا بأن فتنوا من آمن بالله حين كانوا كفاراً، أو أعطوا الفتنة من أنفسهم ففتنوها بأن أطاعوا في كلمة الكفر، أو في الرجوع مع من ردهم إلى بلاد الكفر بعد الهجرة من بعد إيمانهم ﴿ثم جاهدوا﴾ أي أوقعوا جهاد الكفار مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توبة إلى الله تعالى ﴿وصبروا﴾ على ذلك إلى أن ماتوا عليه ﴿إن ربك﴾ أي المحسن إليك بتسخير من هذه صفاتهم لك.
ولما كان له سبحانه أن يغفر الذنوب كلها ما عدا الشرك، وأن يعذب عليها كلها وعلى بعضها، وأن يقبل الصالح كله، وأن يرد بعضه، أشار إلى ذلك بالجار فقال تعالى :﴿من بعدها﴾ أي هذه الأفعال الصالحة الواقعة بعد تلك الفاسدة وهي الفتنة ﴿لغفور﴾ أي بليغ المحو للذنوب ﴿رحيم﴾ أي بليغ الإكرام فهو يغفر لهم ويرحمهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٣١٤ ـ ٣١٦﴾


الصفحة التالية
Icon