قال المفسرون : عذبهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام والعلهز والقد، أما الخوف فهو أن النبي ﷺ كان يبعث إليهم السرايا فيغيرون عليهم.
ونقل أن ابن الراوندي قال لابن الأعرابي الأديب : هل يذاق اللباس ؟ قال ابن الأعرابي : لا باس ولا لباس يا أيها النسناس، هب أنك تشك أن محمداً ما كان نبياً أما كان عربياً وكان مقصود ابن الراوندي الطعن في هذه الآية، وهو أن اللباس لا يذاق بل يلبس فكان الواجب أن يقال : فكساهم الله لباس الجوع، أو يقال : فأذاقهم الله طعم الجوع.
وأقول جوابه من وجوه :
الوجه الأول : أن الأحوال التي حصلت لهم عند الجوع نوعان.
أحدهما : أن المذوق هو الطعم فلما فقدوا الطعام صاروا كأنهم يذوقون الجوع.
والثاني : أن ذلك الجوع كان شديداً كاملاً فصار كأنه أحاط بهم من كل الجهات، فأشبه اللباس.
فالحاصل أنه حصل في ذلك الجوع حالة تشبه المذوق، وحالة تشبه الملبوس، فاعتبر الله تعالى كلا الاعتبارين، فقال :﴿فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف ﴾.
والوجه الثاني : أن التقدير أن الله عرفها لباس الجوع والخوف إلا أنه تعالى عبر عن التعريف بلفظ الإذاقة وأصل الذوق بالفم، ثم قد يستعار فيوضع موضع التعرف وهو الاختبار، تقول : ناظر فلاناً وذق ما عنده.
قال الشاعر :
ومن يذق الدنيا فإني طعمتها.. وسيق إلينا عذبها وعذابها
ولباس الجوع والخوف هو ما ظهر عليهم من الضمور وشحوب اللون ونهكة البدن وتغير الحال وكسوف البال فكما تقول : تعرفت سوء أثر الخوف والجوع على فلان، كذلك يجوز أن تقول : ذقت لباس الجوع والخوف على فلان.
والوجه الثالث : أن يحمل لفظ اللبس على المماسة، فصار التقدير : فأذاقها الله مساس الجوع والخوف.
ثم قال تعالى :﴿بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ قال ابن عباس : يريد بفعلهم بالنبي ﷺ حين كذبوه وأخرجوه من مكة وهموا بقتله.