وقال ابن عطية :
﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾
هذه الآية مخاطبة للكفار الذين حرموا البحائر والسوائب وأحلوا ما في بطون الأنعام وإن كانت ميتة يدل على ذلك قوله حكاية عنهم ﴿ وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء ﴾ [ الأنعام : ١٣٩ ] والآية تقتضي كل ما كان لهم من تحليل وتحريم فإنه كله افتراء منهم، ومنه ما جعلوه في الشهور، وقرأ السبعة وجمهور الناس " الكَذِبَ " بفتح الكاف وكسر الذال وفتح الباء، و" ما " مصدرية فكأنه قال لوصف ألسنتكم الكذب، وقرأ الأعرج وأبو طلحة وأبو معمر والحسن، " الكذبِ " بخفض الباء على البدل من " ما "، وقرأ بعض أهل الشام ومعَاذ بن جبل وابن أبي عبلة " الكُذُبُ " بضم الكاف والذال والباء على صفحة الألسنة، وقرأ مسلمة بن محارب " الكذبَ " بفتح الباء " الكُذُبَ " بفتح الباء على أنه جمع كذاب ككتب في جمع كتاب، وقوله ﴿ هذا حلال ﴾ إشارة إلى ميتة بطون الأنعام وكل ما أحلوا، وقوله ﴿ وهذا حرام ﴾ إشارة إلى البحائر والسوائب وكل ما حرموا، وقوله ﴿ لتفتروا على الله الكذب ﴾، إشارة إلى قولهم في فواحشهم التي هذه إحداها، وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها.
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يريد أنه كان شرعهم لاتباعهم سنناً لا يرضاها الله افتراء عليه، لأن من شرع أمراً فكأنه قال لأتباعه هذا هو الحق، وهذا مراد الله، ثم أخبرهم الله ﴿ إن الذين يفترون على الله الكذب ﴾ لا يبلغون الأمل، و" الفلاح " بلوغ الأمل، فطوراً يكون في البقاء كما قال الشاعر، والصبح والمسى لافلاح معه، ويشبه أن هذه الآية من هذا المعنى، يقوي ذلك قوله ﴿ متاع قليل ﴾، وقد يكون في المساعي ومنه قول عبيد : بالرجز ]
أفلح بما شئت فقد يبلغ... بالضعف وقد يخدع الأريب