وقال القرطبى :
﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾
فيه مسألتان :
الأولى قوله تعالى :﴿ لِمَا تَصِفُ ﴾ ما هنا مصدرية، أي لوصف.
وقيل : اللام لام سبب وأجل، أي لا تقولوا لأجل وصفكم "الكذب" بنزع الخافض، أي لما تصف ألسنتكم من الكذب.
وقرىء "الكُذُبُ" بضم الكاف والذال والباء، نعتاً للألسنة، وقد تقدّم.
وقرأ الحسن هنا خاصّةً "الكَذِبِ" بفتح الكاف وخفض الذال والباء، نعتاً "لما" ؛ التقدير : ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذبِ.
وقيل على البدل من ما ؛ أي ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على اللَّهِ الكذب.
الآية خطاب للكفار الذين حرّموا البحائر والسوائب وأحلوا ما في بطون الأنعام وإن كان ميتة.
فقوله "هذا حلال" إشارة إلى ميتة بطون الأنعام، وكل ما أحلّوه.
وقوله "هذا حرام" إشارة إلى البحائر والسوائب وكل ما حرّموه.
﴿ إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ على الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ﴾ أي ما هم فيه من نعيم الدنيا يزول عن قريب.
وقال الزجاج : أي متاعهم متاع قليل.
وقيل : لهم متاع قليل ثم يردون إلى عذاب أليم.
الثانية أسند الدّارِمِيّ أبو محمد في مسنده أخبرنا هارون عن حفص عن الأعمش قال : ما سمعت إبراهيم قطّ يقول حلال ولا حرام، ولكن كان يقول : كانوا يكرهون وكانوا يستحبون.
وقال ابن وهب قال مالك : لم يكن من فُتْيَا الناس أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام، ولكن يقولوا إيّاكم كذا وكذا، ولم أكن لأصنع هذا.
ومعنى هذا : أن التحليل والتحريم إنما هو لله عز وجل، وليس لأحد أن يقول أو يصرّح بهذا في عين من الأعيان، إلا أن يكون البارىء تعالى يخبر بذلك عنه.
وما يؤدي إليه الاجتهاد في أنه حرام يقول : إني أكره ( كذا ).
وكذلك كان مالك يفعل اقتداءً بمن تقدم من أهل الفتوى.