استعار الرداء للمعروف لأنه يصون صون الرداء لما يلقى عليه، ووصفه بالغمر الذي هو وصف المعروف والنوال، لا وصف الرداء الذي هو المستعار، ولو نظر إليه لوصفه بالسعة أو الطول مثلاً كما نظر إليه من قال ذاكراً السيف الذي يصون به الإنسان نفسه :
ينازعني ردائي عبد عمرو...
رويدك يا أخا بكر بن عمرو
لي الشطر الذي ملكت يميني...
ودونك فاعتجر منه بشطر
فنظر إلى المستعار وهو الرداء في لفظ الاعتجار، فبانت فضيحة ابن الراوندي في زندقته إذ قال لابن الأعرابي : هل يذاق اللباس؟ فقال له : لا بأس يا أيها النسناس! هب أن محمداً ما كان نبياً، أما كان عربياً؟ ﴿بما كانوا﴾ أي بجبلاتهم ﴿يصنعون﴾ من الكفر والكبر، قد مرنوا عليه بكثرة المداومة مرون الإنسان على صنعته.
ولما كان تعالى لا يعذب حتى يبعث رسولاً، حقق ذلك بقوله تعالى :﴿ولقد جاءهم﴾ أي أهل هذه القرية ﴿رسول منهم﴾ كما وقع لكم ﴿فكذبوه﴾ كما فعلتم ﴿فأخذهم العذاب﴾ كما سمعتم، وإن كان المراد بها مكة فالمراد به الجوع الذي دعا عليهم به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قال " اللهم أعني بسبع كسبع يوسف " وأما الخوف فما كان من جهاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهم ﴿وهم ظالمون﴾ أي عريقون في وضع الأشياء في غير مواضعها، لأنهم استمروا على كفرهم مع الجوع، وسألوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الإغاثة فدعا لهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٣١٦ ـ ٣١٨﴾