لذلك حزن رسول الله ﷺ على قومه لما رأى من كفرهم وعنادهم وتكبُّرهم عن قبول الحق، وهو يريد لهم الهداية والصلاح ؛ لأنك إذا أحببتَ إنساناً أحببتَ له ما تراه من الخير، كمن ذهب إلى سوق، فوجدها رائجة رابحة، فدلّ عليها من يحب من أهله ومعارفه.
كذلك لما ذاق رسول الله ﷺ حلاوة الإيمان أحبَّ أنْ يُشاركه قومه هذه المتعة الإيمانية.
والحق سبحانه وتعالى هنا يُسلِّي رسوله، ويخفف عنه ما صُدم في قومه، يقول له : لا تحزن عليهم ولا تُحمّل نفسك فوق طاقتها، فما عليك إلا البلاغ. ويخاطبه ربه في آية أخرى :
﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفاً ﴾ [ الكهف : ٦ ].
أي : لا تكن مُهْلكاً نفسَك أسَفاً عليهم.
وقوله :﴿ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [ النحل : ١٢٧ ].
الضيق : تأتي بالفتح وبالكسر، ضِيْق، ضَيْق.
والضيق : أن يتضاءل الشيء الواسع أمامك عما كنت تُقدِّره، والضيق يقع للإنسان على درجات، فقد تضيق به بلده فينتقل إلى بلد آخر.
وربما ضاقت عليه الدنيا كلها، وفي هذه الحالة يمكن أنْ تسعه نفسه، فإذا ضاقتْ عليه نفْسه فقد بلغ أقصى درجات الضيق، كما قال تعالى عن الثلاثة الذين تخلفوا في الجهاد مع رسول الله :﴿ وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُواْ حتى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ.. ﴾ [ التوبة : ١١٨ ].
فالحق سبحانه ينهى رسوله ﷺ أنْ يكون في ضيق من مكر الكفار ؛ لأن الذي يضيق بأمر ما هو الذي لا يجد في مجال فكره وبدائله ما يخرج به من هذا الضيق، إنما الذي يعرف أن له منفذاً ومَخْرجاً فلا يكون في ضَيْق.