فالمعنى : لا تَكُ في ضيق يا محمد، فالله معك، سيجعل لك من الضيق مخرجاً، ويرد على هؤلاء مكرهم :﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله والله خَيْرُ الماكرين ﴾ [ الأنفال : ٣٠ ].
ولذلك يقول : لا كرب وأنت رب. فساعة أن تضيق بك الدنيا والأهل والأحباب، وتضيق بك نفسك فليسعْك ربك، ولتكُنْ في معيته سبحانه ؛ ولذلك قال تعالى بعد ذلك :
﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨) ﴾
هذه قضية معيّة الله لمن اتقاه، فمَنِ اتقى الله فهو في جواره ومعيته، وإذا كنت في معية ربك فمَنْ يجرؤ أن يكيدك، أو يمكرُ بك؟
وفي رحلة الهجرة تتجلى معية الله تعالى وتتجسد لنا في الغار، حينما أحاط به الكفار، والصِّدِّيق يقول للرسول ﷺ : لو نظر أحدهم تحت قدميه لَرَآنا، فيجيبه الرسول ﷺ وهو واثق بهذه المعية :" يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ".
فما علاقة هذه الإجابة من رسول الله بما قال أبو بكر؟
المعنى : ما دام أن الله ثالثهما إذن فهما في معية الله، والله لا تدركه الأبصار، فمَنْ كان في معيته كذلك لا تدركه الأبصار.
وقوله :﴿ اتقوا.. ﴾ [ النحل : ١٢٨ ].
التقوى في معناها العام : طاعة الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه، ومن استعمالاتها نقول : اتقوا الله، واتقوا النار، والمتأمل يجد معناها يلتقي في نقطة واحدة.
فمعنى " اتق الله " : اجعل بينك وبين عذاب الله وقاية وحاجزاً يحميك، وذلك باتباع أمره واجتناب نهيه ؛ لأن للحق سبحانه صفات رحمة، فهو : الرؤوف الرحيم الغفور، وله صفات جبروت فهو : المنتقم الجبار العزيز، فاجعل لنفسك وقاية من صفات الانتقام.


الصفحة التالية
Icon