قلنا : لا حاجة إلى القدح في تلك الرواية، لأنا نقول : تلك الواقعة داخلة في عموم هذه الآية فيمكن التمسك في تلك الواقعة بعموم هذه الآية، إنما الذي ينازع فيه أنه لا يجوز قصر هذه الآية على هذه الواقعة، لأن ذلك يوجب سوء الترتيب في كلام الله تعالى.
المسألة الثانية :
اعلم أنه تعالى أمر برعاية العدل والإنصاف في هذه الآية ورتب ذلك على أربع مراتب :
المرتبة الأولى : قوله :﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ يعني إن رغبتم في استقباء القصاص فاقنعوا بالمثل ولا تزيدوا عليه، فإن استيفاء الزيادة ظلم والظلم ممنوع منه في عدل الله ورحمته وفي قوله :﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ دليل على أن الأولى له أن لا يفعل، كما أنك إذا قلت للمريض : إن كنت تأكل الفاكهة فكل التفاح، كان معناه أن الأولى بك أن لا تأكله، فذكر تعالى بطريق الرمز والتعريض على أن الأولى تركه.
والمرتبة الثانية : الانتقال من التعريض إلى التصريح وهو قوله :﴿وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ للصابرين﴾ وهذا تصريح بأن الأولى ترك ذلك الانتقام، لأن الرحمة أفضل من القسوة والإنفاع أفضل من الإيلام.
المرتبة الثالثة : وهو ورود الأمر بالجزم بالترك وهو قوله :﴿واصبر﴾ لأنه في المرتبة الثانية ذكر أن الترك خير وأولى، وفي هذه المرتبة الثالثة صرح بالأمر بالصبر، ولما كان الصبر في هذا المقام شاقاً شديداً ذكر بعده ما يفيد سهولته فقال :﴿وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله﴾ أي بتوفيقه ومعونته وهذا هو السبب الكلي الأصلي المفيد في حصول الصبر وفي حصول جميع أنواع الطاعات.