تعليلٌ بما سبق من الأمر والنهي، والمرادُ بالمعية الولايةُ الدائمةُ التي لا تحوم حول صاحبها شائبةُ شيءٍ من الجزَع والحزنِ وضِيق الصدورِ، وما يُشعر به دخولُ كلمة مع من متبوعيّة المتقين إنما هي من حيث إنهم المباشرون للتقوى وكذا الحالُ في قوله سبحانه :﴿ إِنَّ الله مَعَ الصابرين ﴾ ونظائرِهما كافة، والمرادُ بالتقوى المرتبةُ الثالثة منه الجامعة لما تحتها من مرتبة التوقي عن الشرك ومرتبةِ التجنّب عن كل ما يؤثِمُ من فعل وترك، أعني التنزّهَ عن كل ما يشغَلُ سِرَّه عن الحق والتبتّلِ إليه بشراشر نفسِه، وهو التقوى الحقيقيُّ المُورِث لولايته تعالى المقرونة ببشارة قوله سبحانه :﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ والمعنى أن الله وليُّ الذين تبتلوا إليه بالكلية وتنزّهوا عن كل ما يشغل سرَّهم عنه فلم يخطُرْ ببالهم شيءٌ من مطلوب أو محذور فضلاً عن الحزن بفواته أو الخوفِ من وقوعه وهو المعنيُّ بما به الصبرُ المأمورُ به حسبما أشير إليه وبه يحصل التقريب ويتم التعليل كما في قوله تعالى :﴿ فاصبر إِنَّ العاقبة لِلْمُتَّقِينَ ﴾ على أحد التفسيرين كما حُقق في مقامه وإلا فمجردُ التوقي عن المعاصي لا يكون مداراً لشيء من العزائم المرخصِ في تركها فكيف بالصبر المشارِ إليه ورديفيه، وإنما مدارُه المعنى المذكورُ فكأنه قيل : إن الله مع الذين صبروا، وإنما أوثر ما عليه النظمُ الكريم مبالغةً في الحث على الصبر بالتنبيه على أنه من خصائص أجل النعوتِ الجليلة وروادفِه كما أن قوله تعالى :﴿ والذين هُم مُّحْسِنُونَ ﴾ للإشعار بأنه من باب الإحسانِ الذي يتنافس فيه المتنافسون على ما فُصل ذلك حيث قيل :﴿ واصبر فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين ﴾ وقد نُبّه على أن كلاًّ من الصبر والتقوى من قبيل الإحسان في قوله تعالى :{ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ


الصفحة التالية
Icon