ولا مانع أن يكون ما آتاه الله شاملاً لذلك كله ولما عداه من خصال الخير ﴿ وَإِنَّهُ فِى الآخرة لَمِنَ الصالحين ﴾ حسبما وقع منه السؤال لربه حيث قال :﴿ وَأَلْحِقْنِى بالصالحين * واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الآخرين * واجعلنى مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النعيم ﴾ [ الشعراء : ٨٣ - ٨٥ ].
﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ يا محمد مع علوّ درجتك وسموّ منزلتك، وكونك سيد ولد آدم ﴿ أَنِ اتبع مِلَّةَ إبراهيم ﴾ وأصل الملة اسم لما شرعه الله لعباده على لسان نبيّ من أنبيائه.
وقيل : والمراد هنا اتباع النبيّ ﷺ لملة إبراهيم في التوحيد والدعوة إليه.
وقال ابن جرير : في التبرّي من الأوثان، والتدّين بدين الإسلام.
وقيل : في مناسك الحج.
وقيل : في الأصول دون الفروع.
وقيل : في جميع شريعته، إلاّ ما نسخ منها، وهذا هو الظاهر، وقد أمر النبيّ ﷺ بالاقتداء بالأنبياء مع كونه سيدهم، فقال تعالى :﴿ فَبِهُدَاهُمُ اقتده ﴾ [ الأنعام : ٩٠ ].
وانتصاب ﴿ حَنِيفاً ﴾ على الحال من إبراهيم، وجاز مجيء الحال منه ؛ لأن الملة كالجزء منه.
وقد تقرّر في علم النحو أن الحال من المضاف إليه جائز إذا كان يقتضي المضاف العمل في المضاف إليه، أو كان جزءاً منه أو كالجزء ﴿ وَمَا كَانَ مِنَ المشركين ﴾ وهو تكرير لما سبق للنكتة التي ذكرناها.
﴿ إِنَّمَا جُعِلَ السبت على الذين اختلفوا فِيهِ ﴾ أي : إنما جعل وبال السبت وهو المسخ على الذين اختلفوا فيه، أو إنما جعل فرض تعظيم السبت وترك الصيد فيه على الذين اختلفوا فيه، لا على غيرهم من الأمم.
وقد اختلف العلماء في كيفية الاختلاف الكائن بينهم في السبت، فقالت طائفة : إن موسى أمرهم بيوم الجمعة وعيّنه لهم، وأخبرهم بفضيلته على غيره، فخالفوه وقالوا : إن السبت أفضل، فقال الله له : دعهم وما اختاروا لأنفسهم.