وقال ابن عاشور :
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
يتنزل معنى هذه الآية منزلة البيان لقوله :﴿ أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً ﴾ [ سورة النحل : ١٢٣ ] فإن المراد بما أوحي إليه من اتّباع ملّة إبراهيم هو دين الإسلام، ودين الإسلام مبنيّ على قواعد الحنيفية، فلا جرم كان الرسول بدعوته الناس إلى الإسلام داعياً إلى اتّباع ملّة إبراهيم.
ومخاطبة الله رسوله بهذا الأمر في حين أنه داع إلى الإسلام وموافق لأصول ملّة إبراهيم دليل على أن صيغة الأمر مستعملة في طلب الدّوام على الدعوة الإسلامية مع ما انضمّ إلى ذلك من الهداية إلى طرائق الدعوة إلى الدين.
فتضمّنت هذه الآية تثبيت الرسول على الدعوة وأن لا يؤيسه قول المشركين له ﴿ إنما أنت مفتر ﴾ [ سورة النحل : ١٠١ ] وقولهم :﴿ إنما يعلّمه بشر ﴾ [ سورة النحل : ١٠٣ ] ؛ وأن لا يصدّه عن الدعوة أنه تعالى لا يهدي الذين لا يؤمنون بآيات الله.
ذلك أن المشركين لم يتركوا حيلة يحسبونها تثبّط النبي عن دعوته إلا ألقوا بها إليه من : تصريح بالتكذيب، واستسخار، وتهديد، وبذاءة، واختلاق، وبهتان، كما ذلك محكي في تضاعيف القرآن وفي هذه السورة، لأنهم يجهلون مراتب أهل الاصطفاء ويزنونهم بمعيار موازين نفوسهم، فحسبوا ما يأتونه من الخزعبلات مثبطاً له وموشكاً لأن يصرفه عن دعوتهم.
وسبيل الربّ : طريقهُ.
وهو مجاز لكل عمل من شأنه أن يبلّغ عاملَه إلى رضى الله تعالى، لأن العمل الذي يحصل لعامله غرض ما يُشبهِ الطريقَ الموصل إلى مكان مقصود، فلذلك يستعار اسم السبيل لسبب الشيء.
قال القرطبي : إن هذه الآية نزلت بمكّة في وقت الأمر بمهادنة قريش، أي في مدّة صُلح الحديبية.
وحكى الواحدي عن ابن عباس : أنها نزلت عقِب غزوة أُحد لما أحزن النبي منظرُ المُثلة بحمزة رضي الله عنه وقال : لأقتلنّ مكانه سبعين رجلاً منهم.