وهذا يقتضي أن الآية مدنية.
ولا أحسب ما ذكراه صحيحاً.
ولعلّ الذي غَرّ مَن رواه قوله :﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ﴾ [ النحل : ١٢٦ ] كما سيأتي، بل موقع الآية متّصل بما قبله غير محتاج إلى إيجاد سبب نزول.
وإضافة ﴿ سبيل ﴾ إلى ﴿ ربك ﴾ باعتبار أن الله أرشد إليه وأمر بالتزامه.
وهذه الإضافة تجريد للاستعارة.
وصار هذا المركب علماً بالغلبة على دين الإسلام، كما في قوله تعالى :﴿ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله ﴾ [ سورة الأنفال : ٣٦ ]، وهو المراد هنا، وفي قوله عقبه ﴿ إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ﴾ [ سورة النحل : ١٢٥ ].
ويطلق سبيل الله علماً بالغلبة أيضاً على نصرة الدين بالقتال كما في قوله تعالى :﴿ وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ﴾ [ سورة التوبة : ٤١ ].
والباء في قوله : بالحكمة } للملابسة، كالباء في قول العرب للمعرّس : بالرفاء والبنين، بتقدير : أعرست، يدل عليه المقام، وهي إما متعلقة بـ ﴿ ادع ﴾، أو في موضع الحال من ضمير ﴿ ادع ﴾.
وحذف مفعول ادع } لقصد التعميم، أو لأن الفعل نزل منزلة اللازم، لأن المقصود الدوام على الدعوة لا بيان المدعوين، لأن ذلك أمر معلوم من حال الدعوة.
ومعنى الملابسة يقتضي أن لا تخلو دعوته إلى سبيل الله عن هاتين الخصلتين : الحكمة، والموعظة الحسنة.
فالحكمة : هي المعرفة المُحكمة، أي الصائبة المجرّدة عن الخطأ، فلا تطلق الحكمة إلا على المعرفة الخالصة عن شوائب الأخطاء وبقايا الجهل في تعليم الناس وفي تهذيبهم.
ولذلك عرّفوا الحكمة بأنها : معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بحسب الطاقة البشرية بحيث لا تلتبس على صاحبها الحقائق المتشابهة بعضها ببعض ولا تخطىء في العلل والأسباب.
وهي اسم جامع لكل كلام أو علم يراعى فيه إصلاح حال الناس واعتقادهم إصلاحاً مستمراً لا يتغيّر.