والمفضل عليه المحاجّة الصادرة منهم، فإن المجادلة تقتضي صدور الفعل من الجانبين، فعلم أن المأمور به أن تكون المحاجّة الصادرة منه أشدّ حسناً من المحاجّة الصادرة منهم، كقوله تعالى :﴿ ادفع بالتي هن أحسن ﴾ [ سورة المؤمنون : ٩٦ ].
ولما كانت المجادلة لا تكون إلا مع المعارضين صرّح في المجادلة بضمير جمع الغائبين المراد منه المشركون، فإن المشركين متفاوتون في كيفيات محاجتهم، فمنهم من يحاجّ بلين، مثل ما في الحديث : أن النبي قرأ القرآن على الوليد بن المغيرة ثم قال له : هل ترى بما أقول بأساً قال : لا والدماء.
وقرأ النبي القرآن على عبد الله بن أُبيّ ابن سَلول في مجلس قومه، فقال عبد الله بن أبي : أيها المرء إن كان ما تقول حقاً فاجلس في بيتك فمن جاءك فحدّثه إيّاه ومن لم يأتك فلا تغتّه ولا تأته في مجلسه بما يكره منه.
وتصدّي المشركين لمجادلة النبي تكرّر غير مرّة.
ومن ذلك ما روي عن ابن عباس : أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ﴾ [ سورة الأنبياء : ٩٨ ] الآية، قال عبد الله الزِّبَعْرَى : لأخصُمَنّ محمداً، فجاءه فقال : يا محمد قد عُبد عيسى، وعُبدتتِ الملائكة فهل هم حصب لجهنّم؟ فقال النبي : اقرأ ما بعدُ ﴿ إن الذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ [ سورة الأنبياء : ١٠١ ].
أخرجه ابن المنذر وابن مردويه والطبراني، وأبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ.


الصفحة التالية
Icon