فإذا ما وسوس لك الشيطان، وأغراك بالانتقام، وثارت نفسُك، فالشجاعة أنْ تصبر ولا تطاوعهما.
قوله تعالى :﴿ واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله.. ﴾ [ النحل : ١٢٧ ].
من حكمة الله ورحمته أنْ جعلك تصبر على الأذى ؛ لأن في الصبر خيراً لك، والله هو الذي يُعينك على الصبر، ويمنع عنك وسوسة الشيطان وخواطر السوء التي تهيج غضبك، وتجرّك إلى الانتقام.
والحق سبحانه وتعالى يريد من عبده أن يتجه لإنفاذ أمره، فإذا علم ذلك من نيته تولّى أمره وأعانه، كما قال تعالى :﴿ والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ ﴾ [ محمد : ١٧ ].
إياك أن تعتقد أن الصبر من عندك أنت، فالله يريد منك أن تتجه إلى الصبر مجرد اتجاه ونية، وحين تتجه إليه يُجنّد الله لك الخواطر الطيبة التي تُعينك عليه وتُيسِّره لك وتُرضيك به، فيأتي صبرك جميلاً، لا سخطَ فيه ولا اعتراضَ عليه.
ثم يقول تعالى :
﴿ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ.. ﴾ [ النحل : ١٢٧ ].
لقد امتنّ الله على أمة العرب التي استقبلتْ دعوة الله على لسان رسوله ﷺ، بأنْ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم ومن أوسطهم، يعرفون حَسبَه ونَسبَه وتاريخه وأخلاقه، وقد كان ﷺ مُحباً لقومه حريصاً على هدايتهم، كما قال تعالى :﴿ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ].
أي : تعز عليه مشقتكم، ويؤلمه عَنَتكم وتعبكم، حريص عليكم، يريد أن يستكمل لكل كل أنواع الخير ؛ لأن معنى الحرص : الضَّنّ بالشيء، فكأنه ﷺ يضِنّ بقومه.
وقد أوضح هذا المعنى في الحديث الشريف :" إنما مثلي ومثَل أمتي كمثل رجل استوقد ناراً، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه، فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقحّمون فيه ".