والمراد على هذا القول بالمسجد الحرام الحرم لإحاطته بالمسجد والتباسه به، وعن ابن عباس الحرم كله مسجد، وهذا قول الأكثرين وقوله :﴿إلى المسجد الأقصا﴾ اتفقوا على أن المراد منه بيت المقدس وسمي بالأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام وقوله :﴿الذى بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ قيل بالثمار والأزهار، وقيل بسبب أنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة.
واعلم أن كلمة ﴿إلى﴾ لانتهاء الغاية فمدلول قوله :﴿إلى المسجد الأقصى﴾ أنه وصل إلى حد ذلك المسجد فأما أنه دخل ذلك المسجد أم لا فليس في اللفظ دلالة عليه، وقوله :﴿لِنُرِيَهُ مِنْ ءاياتنا﴾ يعني ما رأى في تلك الليلة من العجائب والآيات التي تدل على قدرة الله تعالى.
فإن قالوا : قوله :﴿لِنُرِيَهُ مِنْ ءاياتنا﴾ يدل على أنه تعالى ما أراه إلا بعض الآيات، لأن كلمة ﴿مِنْ﴾ تفيد التبعيض، وقال في حق إبراهيم :﴿وَكَذَلِكَ نُرِى إبراهيم مَلَكُوتَ السموات والأرض﴾ [ الأنعام : ٧٥ ] فيلزم أن يكون معراج إبراهيم عليه السلام أفضل من معراج محمد صلى الله عليه وسلم.
قلنا : الذي رآه إبراهيم ملكوت السموات والأرض، والذي رآه محمد ﷺ بعض آيات الله تعالى، ولا شك أن آيات الله أفضل.
ثم قال :﴿إِنَّهُ هُوَ السميع العليم﴾ أي أن الذي أسرى بعبده هو السميع لأقوال محمد، البصير بأفعاله، العالم بكونها مهذبة خالصة عن شوائب الرياء، مقرونة بالصدق والصفاء، فلهذا السبب خصه الله تعالى بهذه الكرامات، وقيل : المراد سميع لما يقولون للرسول في هذا الأمر، بصير بما يعملون في هذه الواقعة.
المسألة الثانية :
اختلف في كيفية ذلك الإسراء فالأكثرون من طوائف المسلمين اتفقوا على أنه أسرى بجسد رسول الله ﷺ، والأقلون قالوا : إنه ما أسري إلا بروحه حكي عن محمد بن جرير الطبري في "تفسيره" عن حذيفة أنه قال ذلك رؤيا.