وأنه ما فقد جسد رسول الله ﷺ، وإنما أسري بروحه، وحكي هذا القول أيضاً عن عائشة رضي الله عنها، وعن معاوية رضي الله عنه.
واعلم أن الكلام في هذا الباب يقع في مقامين : أحدهما : في إثبات الجواز العقلي.
الثاني : في الوقوع.
أما المقام الأول : وهو إثبات الجواز العقلي، فنقول : الحركة الواقعة في السرعة إلى هذا الحد ممكنة في نفسها والله تعالى قادر على جميع الممكنات، وذلك يدل على أن حصول الحركة في هذا الحد من السرعة غير ممتنع، فنفتقر ههنا إلى بيان مقدمتين :
المقدمة الأولى : في إثبات أن الحركة الواقعة إلى هذا الحد ممكنة في نفسها ويدل عليه وجوه :
الوجه الأول : أن الفلك الأعظم يتحرك من أول الليل إلى آخره ما يقرب من نصف الدور وقد ثبت في الهندسة أن نسبة القطر الواحد إلى الدور نسبة الواحد إلى ثلاثة وسبع، فيلزم أن تكون نسبة نصف القطر إلى نصف الدور نسبة الواحد إلى ثلاثة وسبع وبتقدير أن يقال أن رسول الله ﷺ ارتفع من مكة إلى ما فوق الفلك الأعظم فهو لم يتحرك إلا بمقدار نصف القطر فلما حصل في ذلك القدر من الزمان حركة نصف الدور فكان حصول الحركة بمقدار نصف القطر أولى بالإمكان، فهذا برهان قاطع على أن الارتقاء من مكة إلى ما فوق العرش في مقدار ثلث من الليل أمر ممكن في نفسه، وإذا كان كذلك كان حصوله في كل الليل أولى بالإمكان، والله أعلم.
الوجه الثاني : وهو أنه ثبت في الهندسة أن قرص الشمس يساوي كرة الأرض مائة وستين وكذا مرة ثم إنا نشاهد أن طلوع القرص يحصل في زمان لطيف سريع، وذلك يدل على أن بلوغ الحركة في السرعة إلى الحد المذكور أمر ممكن في نفسه.