الصدر، وغسل القلب وحشوه، إنما هو رمز هذا الإعداد المحتوم. وقصة الإسراء والمعراج مشحونة بهذه الرموز، ذات الدلالة التى تدق على السذج. إن الإسراء والمعراج، وقعا للرسول - ﷺ - بشخصه فى طور بلغ الروح فيه قمة الإشراق وخفت فيه كثافة الجسد حتى تفصَّى من أغلب القوانين التى تحكمه. واستكناه حقيقة هذه الرحلة، وتتبع مراحلها بالوصف الدقيق، مرتبط بإدراك العقل الإنسانى لحقيقة المادة والروح وما أودع الله فيهما من قوى وخصائص. ولذلك سنتجاوز هذا البحث إلى ما هو أيسر وأجدى، أى إلى تسجيل المعالم المتصلة بالإسلام باعتباره رسالة عامة وتشاريع محددة. وقصة الإسراء والمعراج، تهمنا من هذه الناحية. ألم تر أن " علم النفس " لم يستبحر وينطلق إلا يوم تحرر من البحث فى الروح والخبط فى مدلولها؟ * ** * لماذا كانت الرحلة إلى بيت المقدس، ولم تبدأ من المسجد الحرام إلى سدرة المنتهى مباشرة؟ إن هذا يرجع بنا إلى تاريخ قديم. فقد ظلت النبوات دهورا طوالا، وهى وقف على بنى إسرائيل، وظل بيت المقدس مهبط الوحي، ومشرق أنواره على الأرض وقصبة الوطن المحبب إلى شعب الله المختار. فلما أهدر اليهود كرامة الوحى وأسقطوا أحكام السماء، حلت بهم لعنة الله، وتقرر تحويل النبوة عنهم إلى الأبد! ومن ثم كان مجىء الرسالة إلى محمد - ﷺ - انتقالا بالقيادة الروحية فى العالم، من أمة إلى أمة، ومن بلد إلى بلد، ومن ذرية إسرائيل إلى ذرية إسماعيل. وقد كان غضب اليهود مشتعلا لهذا التحول مما دعاهم إلى المسارعة بإنكاره: (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب). لكن إرادة الله مضت وحملت الأمة الجديدة رسالتها وورث النبى العربى تعاليم إبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب، وقام يكافح لنشرها وجمع الناس عليها؟ فكان من وصل الحاضر بالماضى وإدماج الكل فى حقيقة واحدة :