بل إن أهل هذه الأودية سيكونون حملة الإسلام جيلا فى أعقاب جيل، وهذا معنى رؤية النيل والفرات فى الجنة وليس معناه أن مياه النهرين تنبع من الجنة كما يظن السذج والبله. لقد روى الترمذى مثلا أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: " إذا أعطى أحدكم الريحان فلا يرده فإنه خرج من الجنة ". فهل ذلك يدل على أن الريحان من الجنة ونحن نقطف أزهاره من الحقول والحدائق؟ حكمة الإسراء ذلك والله عز وجل يتيح لرسله فرص الاطلاع على المظاهر الكبرى لقدرته حتى يملأ قلوبهم ثقة فيه واستنادا إليه، إذ يواجهون قوى الكفار المتألبة ويهاجمون سلطانهم القائم. فقبل أن يرسل الله موسى شاء أن يريه عجائب قدرته فأمره أن يلقى عصاه قال: ( ألقها يا موسى * فألقاها فإذا هي حية تسعى * قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى * واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى * لنريك من آياتنا الكبرى). فلما ملأ قلبه إعجابا بمشاهد هذه الآيات الكبرى قال له بعد: (اذهب إلى فرعون إنه طغى). وقد علمت أن ثمرة الإسراء والمعراج إطلاع الله نبيه على هذه الآيات الكبرى وربما تقول: إن ذلك حدث بعد الإرسال إليه بقريب من اثنى عشر عاما على عكس ما وقع لموسى. وهذا حق، وسره ما أسلفنا بيانه من أن الخوارق فى سير المرسلين الأولين قصد بها قهر الأمم على الاقتناع بصدق النبوة فهى تدعيم لجانبهم أمام اتهام الخصوم لهم بالادعاء. وسيرة محمد ـ ﷺ ـ فوق هذا المستوى. فقد تكفل القرآن الكريم بإقناع أولى النهى من أول يوم، وجاءت الخوارق فى طريق الرسول ضربا من التكريم لشخصه، والإيناس له، غير معكرة، ولا معطلة للمنهج العقلى العادى الذى اشترعه القرآن.