وقالت طائفة : كان الإسراء بالجسد يقظة إلى بيت المقدس، وإلى السماء بالروح ؛ واحتجوا بقوله تعالى :"سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجدالحرام إلى المسجد الأقصى" فجعل المسجد الأقصى غاية الإسراء.
قالوا : ولو كان الإسراء بجسده إلى زائد على المسجد الأقصى لذكره، فإنه كان يكون أبلغ في المدح.
وذهب معظم السلف والمسلمين إلى أنه كان إسراء بالجسد وفي اليقظة، وأنه ركب البراق بمكة، ووصل إلى بيت المقدس وصلّى فيه ثم أسْرِيَ بجسده.
وعلى هذا تدل الأخبار التي أشرنا إليها والآية.
وليس في الإسراء بجسده وحال يقظته استحالة، ولا يُعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة، ولو كان مناماً لقال بروح عبده ولم يقل بعبده.
وقوله :﴿ مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى ﴾ [ النجم : ١٧ ] يدل على ذلك.
ولو كان مناماً لما كانت فيه آية ولا معجزة، ولما قالت له أم هانىء : لا تحدِّث الناس فيكذبوك، ولا فُضّل أبو بكر بالتصديق، ولما أمكن قريشاً التشنيعُ والتكذيب، وقد كذبه قريش فيما أخبر به حتى ارتد أقوام كانوا آمنوا، فلو كان بالرؤيا لم يستنكر، وقد قال له المشركون : إن كنت صادقاً فخبّرنا عن عِيرنا أين لقِيتَها؟ قال :"بمكان كذا وكذا مررتُ عليها ففزِع فلان فقيل له : ما رأيت يا فلان، قال : ما رأيت شيئا غير أن الإبل قد نفرت".
قالوا : فأخبرنا متى تأتنا العير؟ قال :"تأتيكم يوم كذا وكذا".
قالوا : أيَّة ساعة؟ قال :"ما أدري، طلوع الشمس من هاهنا أسرع أم طلوع العِيرُ من هاهنا".
فقال رجل : ذلك اليوم؟ هذه الشمس قد طلعت.
وقال رجل : هذه عِيركم قد طلعت، واستخبروا النبيّ ﷺ عن صفة بيت المقدس فوصفه لهم ولم يكن رآه قبل ذلك.
روى الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ :


الصفحة التالية
Icon