وقال أبو السعود :
﴿ سُبْحَانَ الذى أسرى بِعَبْدِهِ ﴾
سبحان علمٌ للتسبيح كعثمانَ للرجل وحيث كان المسمّى معنى لا عيناً، وجنساً لا شخصاً لم تكن إضافتُه من قبيل ما في : زيدُ المعارك أو حاتمُ طيْءٍ، وانتصابه بفعل متروكِ الإظهار تقديرُه أسبح الله سبحان الخ، وفيه ما لا يخفى من الدلالة على التنزيه البليغِ من حيث الاشتقاقُ من السبْح الذي هو الذهابُ والإبعادُ في الأرض، ومنه فرسٌ سَبوحٌ أي واسعُ الجري، ومن جهة النقلِ إلى التفعيل، ومن جهة العدولِ من المصدر إلى الاسم الموضوعِ له خاصة لا سيما وهو علمٌ يشير إلى الحقيقة الحاضرةِ في الذهن ومن جهة قيامِه مَقام المصدر مع الفعل، وقيل : هو مصدرٌ كغفران بمعنى التنزه، ففيه مبالغةٌ من حيث إضافةُ التنزه إلى ذاته المقدسةِ ومناسبةٌ تامة بين المحذوف وبين ما عُطف عليه في قوله سبحانه وتعالى، كأنه قيل : تنزه بذاته وتعالى. والإسراءُ السيرُ بالليل خاصة كالسُّرى وقوله تعالى :﴿ لَيْلاً ﴾ لإفادة قلةِ زمان الإسراءِ لِما فيه من التنكير الدالِّ على البعضية من حيث الأجزاءُ دَلالتَه على البعضية من حيث الأفراد، فإن قولك : سِرت ليلاً كما يفيد بعضيةَ زمان سيرِك من الليالي يفيد بعضيتَه من فرد واحد منها بخلاف ما إذا قلت : سرتُ الليلَ فإنه يفيد استيعابَ السير له جميعاً، فيكون معياراً للسير لا ظرفاً له ويؤيده قراءةُ ( من الليل ) أي بعضِه، وإيثارُ لفظ العبدِ للإيذان بتمحّضه عليه الصلاة والسلام في عبادته سبحانه وبلوغِه في ذلك غايةَ الغايات القاصيةِ ونهايةَ النهاياتِ النائية حسبما يلوّح به مبدأُ الإسراء ومنتهاه، وإضافةُ التنزيه أو التنزّه إلى الموصول المذكورِ للإشعار بعلّية ما في حيز الصلةِ للمضاف فإن ذلك من أدلة كمالِ قدرتِه وبالغِ حكمتِه ونهايةِ تنزهه عن صفات المخلوقين.


الصفحة التالية
Icon