واختُلف في وقته أيضاً، فقيل : كان قبل الهجرةِ بسنة، وعن أنس والحسنِ أنه قبل البعثة، واختلف أيضاً أنه في اليقظة أو في المنام فعن الحسن أنه كان في المنام، وأكثرُ الأقاويل بخلافه، والحق أنه كان في المنام قبل البعثة وفي اليقظة بعدها، واختُلف أيضاً أنه كان جُسمانياً أو روحانياً، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما فُقِد جسدُ رسولِ الله ﷺ ولكن عُرج بروحه. وعن معاوية أنه قال : إنما عُرج بروحه، والحقُّ أنه كان جُسمانياً على ما ينبىء عنه التصديرُ بالتنزيه وما في ضمنه من التعجب، فإن الروحانيَّ ليس في الاستبعاد والاستنكار وخرقِ العادةِ بهذه المثابة، ولذلك تعجبت منه قريشٌ وأحالوه ولا استحالة فيه، فإنه قد ثبت في الهندسة أن قُطرَ الشمس ضِعفَ قطرِ الأرض مائة ونيفاً وستين مرة، ثم إن طرفها الأسفلَ يصل إلى موضع طرفِها الأعلى بحركة الفَلك الأعظمِ مع معاوقة حركةِ فلكِها لها في أقلَّ من ثانية، وقد تقرر أن الأجسام متساويةٌ في قَبول الأعراضِ التي من جملتها الحركةُ وأن الله سبحانه قادرٌ على كل ما يحيط به حيطة الإمكان فيقدر على أن يخلق تلك الحركةَ بل أسرعَ منها في جسد النبي ﷺ أو فيما يحمِله ولو لم يكن مستبعداً لم يكن معجزة ﴿ إلى المسجد الأقصا ﴾ أي بيتِ المقدس، سُمي به إذ لم يكن حينئذ وراءه مسجدٌ وفي ذلك من تربية معنى التنزيهِ والتعجّب ما لا يخفى ﴿ الذى بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ ببركات الدين والدنيا لأنه مهبِطُ الوحي ومتعبَّدُ الأنبياءِ عليهم الصلاة والسلام ﴿ لِنُرِيَهُ ﴾ غايةٌ للإسراء ﴿ مِنْ ءاياتنا ﴾ العظيمةِ التي من جملتها ذهابُه في برهة من الليل مسيرةَ شهرٍ، ولا يقدح في ذلك كونُه قبل الوصول إلى المقصِد ومشاهدةِ بيت المقدس وتمثّل الأنبياءِ له ووقوفِه على مقاماتهم العلية عليهم الصلاة والسلام، والالتفاتُ إلى التكلم لتعظيم تلك البركاتِ والآياتِ،


الصفحة التالية
Icon