الأماكن الشريفة على التدريج فإن شرف بيت المقدس دون شرف الحضرة التي عرج إليها على ما قيل، وقيل : توطيناً له عليه الصلاة والسلام لما في المعراج من الغرابة العظيمة التي ليست في الإسراء وإن كان غريباً أيضاً، وقيل : لتتشرف به أرض المحشر ذهاباً وإياباً، وقيل : لأن باب السماء الذي يقال مصعد الملائكة عليهم السلام على مقابلة صخرة بيت المقدس فقد نقل عن كعب الأحبار أنه قال : إن لله تعالى باباً مفتوحاً من سماء الدنيا إلى بيت المقدس ينزل منه كل يوم سبعون ألف ملك يستغفرون لمن أتى بيت المقدس وصلى فيه فأسريه به ﷺ إلى هناك أولاً ثم عرج به ليكون صعوده على الاستواء، وقيل : إن اسطوانات المسجد قالت ربنا حصل لنا من كل نبي حظ وقد اشتقنا إلى محمد ﷺ فأرزقنا لقاءه فبدىء بالإسراء به إلى المسجد تعجيلاً للإجابة، وقيل : غير ذلك.
وعبر بمن الدالة على التبعيض لأن إراءة جميع آيات الله تعالى لعدم تناهيها مما لا تكاد تقع ولو قيل آياتنا لتبادر الكل، وربما يستعان بالمقام على إرادته واستشكل بأنه كيف يرى نبينا ﷺ بعض الآيات ويرى إبراهيم عليه السلام ملكوت السموات والأرض كما نطق به قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ نُرِى إبراهيم مَلَكُوتَ السموات والأرض ﴾ [ الأنعام : ٧٥ ] وفرق بين الحبيب والخليل، وأجيب بأن بعض الآيات المضافة إليه تعالى أشرف وأعظم من ملكوت السموات والأرض كما قال تعالى :﴿ لَقَدْ رأى مِنْ ءايات رَبّهِ الكبرى ﴾ [ النجم : ١٨ ]، وقال الخفاجي : السؤال غير وارد لأن ما رآه إبراهيم عليه السلام ما فيها من الدلائل والحجج وليس ذلك مقاوماً للمعراج فتأمل.


الصفحة التالية
Icon