وإنما قال بعبده دون بنبيه لئلا يتوهم فيه نبوة وألوهة كما توهموا في عيسى ابن مريم عليهما السلام بانسلاخه عن الأكوان وعروجه بجسم إلى الملأ الأعلى مناقضاً للعادات البشرية وأطوارها.
وأدخل الباء للمناسبة بين العبودية التي هي الذلة والتواضع وبين الباء التي هي حرف الخفض والكسر فإن كل ذليل منكسر.
وفيه إشارة إلى شرف مقام العبودية حتى قال الإمام في تفسيره : إن العبودية أفضل من الرسالة لأن بالعبودية ينصرف من الخلق إلى الحق فهي مقام الجمع وبالرسالة ينصرف من الحق إلى الخلق فهي مقام الفرق والعبودية أن يكل أموره إلى سيده فيكون هو المتكفل بإصلاح مهامه والرسالة التكفل بمهام الأمة وشتان ما بينهما.
قال الشيخ الأكبر قدس سره (١) : إن معراجه عليه السلام أربع وثلاثون مرة واحدة بجسده والباقي بروحه رؤياً رآها أي : قبل النبوة وبعدها وكان الإسراء الذي حصل له قبل أن يوحى إليه توطئة له وتيسيراً عليه كما كان بدأ نبوته الرؤيا الصادقة والذي يدل على أنه عليه السلام عرج مرة بروحه وجسده معاً قوله أسرى بعبده فإن العبد اسم للروح والجسد جميعاً وأيضاً أن البراق الذي هو من جنس الدواب إنما يحمل الأجساد وأيضاً لو كان بالروح حال النوم أو حال الفناء أو الانسلاخ لما استبعده المنكرون إذ المتهيئون من جميع الملل يحصل لهم مثل ذلك ويتعارفونه بينهم.
وقد ذكروا أن جبريل عليه السلام أخذ طينة النبي صلى الله عليه وسلّم فعجنها بمياه الجنة وغسلها من كل كثافة وكدورة فكأن جسده الطاهر كان من العالم العلوي كروحه الشريف. (٢)
فإن قلت ففيمَ أسري به؟ قلت : قال صلى الله عليه وسلّم "أسري بي في قفص من لؤلؤ فراشه من ذهب" كما في "بحر العلوم".

(١) كلام لا دليل عليه.
(٢) كلام غريب كسابقه لا يعول عليه. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon