ومنها آيات الأنفس كما قال سبحانه ﴿سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِى الافَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ﴾ وقوله :﴿أَوْ أَدْنَى﴾ (النجم : ٩) من آيات الأنفس وهو مقام المحبة والاختصاص بالهو ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِه مَآ أَوْحَى﴾ (النجم : ١) مقام المسامرة وهو الهوّ غيب الغيب وأيده ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ (النجم : ١١) والفؤاد قلب القلب وللقلب رؤية وللفؤاد رؤية فرؤية القلب يدركها العمى كما قال تعالى :﴿وَلَاكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ﴾ (الحج : ٤٦) والفؤاد لا يعمى لأنه لا يعرف الكون وماله تعلق إلا بسيده فإن العبد هنا عبد من جميع الوجوه منزه مطلق التنزيه في عبوديته فما نقل عبده من مكان إلى مكان إلا ليريه من آياته التي غابت عنه كأنه تعالى قال : ما أسريت به إلا لرؤية الآيات لا إليّ فإني لا يحدني مكان ولا يقيدني زمان ونسبة الأمكنة والأزمنة إلي نسبة واحدة وأنا الذي وسعني قلب عبدي فكيف أسري به إليّ وأنا عنده ومعه أينما كان نزولاً وعروجاً واستواء ﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقواله صلى الله عليه وسلّم بلا أذن كما يتكلم من غير آلة الكلام وهو اللسان ويعلم من غير أداة العلم وهو القلب ﴿الْبَصِيرُ﴾ بأفعاله بلا بصر حسبما يؤذن به القصر فيكرمه ويقربه بحسب ذلك.
وفيه إيماء إلى أن الإسراء المذكور ليس إلا لتكرمته ورفع منزلته وإلا فالإحاطة بأقواله وأفعاله حاصلة من غير حاجة
إلى التقريب.
وفي "التأويلات" وفي قوله :﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلّم هو السميع الذي قال الله :"كنت له سمعاً فبي يسمع وبي يبصر" فتحقيقه لنريه من آياتنا المخصوصة بجمالنا وجلالنا إنه هو السميع بسمعنا البصير ببصرنا فإنه لا يسمع كلامنا إلا بسمعنا ولا يبصر جمالنا إلا ببصرنا.


الصفحة التالية
Icon