وقد أريد من هذه القصة إظهارُ مزية نوع الإنسان وأن الله يخص أجناس مخلوقاته وأنواعها بما اقتضته حكمته من الخصائص والمزايا لئلا يخلو شيء منها عَنْ فائدة من وجوده في هذا العالم ؛ وإظهارُ فضيلة المعرفة، وبيانُ أن العالم حقيق بتعظيم مَن حوله إياه وإظهارُ ما للنفوس الشريرة الشيطانية من الخبث والفساد، وبيانُ أن الاعتراف بالحق من خصال الفضائل الملائكية، وأن الفساد والحسد والكبِر من مذام ذوي العقول.
والقول في إعراب ( إذْ ) كالقول الذي تقدم في تفسير قوله :﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة﴾ [ البقرة : ٣٠ ].
وإظهار لفظ الملائكة ولفظ آدم هنا دون الإتيان بضميريهما كما في قوله :﴿قالوا سبحانك﴾ [ البقرة : ٣٢ ] وقوله :﴿فلما أنبأهم﴾ [ البقرة : ٣٣ ] لتكون القصة المعطوفة معنونة بمثل عنوان القصة المعطوف عليها إشارة إلى جدارة المَعْطُوفة بأن تكون قصة مقصورة غير مندمجة في القصة التي قبلها.
وغُير أسلوبُ إسناد القول إلى الله فأُتي به مسنداً إلى ضمير العظمة ﴿وإذ قلنا﴾ وأُتي به في الآية السابقة مسنداً إلى رب النبيء
﴿وإذ قال ربك﴾ [ البقرة : ٣٠ ] للتفنن ولأن القول هنا تضمن أمراً بفعلٍ فيه غضاضة على المأمورين فناسبه إظهار عظمة الآمر، وأما القول السابق بمجرد إعلام من الله بمراده ليظهرَ رأيهم، ولقصد اقتران الاستشارة بمبدأ تكوين الذات الأولى من نوع الإنسان المحتاج إلى التشاور فناسبه الإسناد إلى الموصوف بالربوبية المؤذنة بتدبير شأن المربوبين.
وأضيف إلى ضمير أشرف المربوبين وهو النبيء ﷺ كما تقدم عند قوله تعالى :{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة.