والقول الثاني : أنه كان من الجن، ولم يكن من الملائكة. قاله ابن عباس، في رواية، والحسن وقتادة، واختاره الزمخشري، وأبو البقاء العكبري، والكواشي في تفسيره. لقوله تعالى :﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ [ الكهف : ٥٠ ]، فهو أصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس، ولأنه خلق من نار، والملائكة خلقوا من نور، ولأن له ذرية، ولا ذرية للملائكة.
قال في الكشاف : إنما تناوله الأمر، وهو للملائكة خاصة، لأن إبليس كان في صحبتهم، وكان يعبد الله عبادتهم، فلما أمروا بالسجود لآدم والتواضع له كرامة له كان الجنيّ الذي معهم أجدر بأن يتواضع.
والقول الأول هو الصحيح الذي عليه جمهور العلماء، وصححه البغوي. وأجابوا عن قوله تعالى :﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ﴾ أي : من الملائكة الذين هم خزنة الجنة.
قال ابن القيم : الصواب التفصيل في هذه المسألة، وأن القولين في الحقيقة قول وحد. فإن إبليس كان مع الملائكة بصورته، وليس منهم بمادته وأصله ؛ كان أصله من نار، وأصل الملائكة من نور. فالنافي كونه من الملائكة، والمثبت، لم يتواردا على محل واحد. وكذلك قال الشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية في الفتاوي المصرية : وقيل إن فرقة من الملائكة خلقوا من النار، سموا : جناً ؛ لاستتارهم عن الأعين، فإبليس كان منهم. والدليل على ذلك قوله تعالى :﴿ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً ﴾ [ الصافات : ١٥٨ ]، وهو قولهم : الملائكة بنات الله، ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية.
سئل الشعبي : هل لإبليس زوجة ؟ قال : ذلك عرس لم أشهده ! قال : ثم قرأت هذه الآية، فعلمت أنه لا يكون له ذرية إلا من زوجة. فقلت : نعم. وقال قوم : ليس له ذرية ولا أولاد، وذريته أعوانه من الشياطين.