وثالثها : أن إبليس لما امتنع عن السجود لعن فما كان يقدر مع غضب الله على أن يصل إلى جنة الخلد.
ورابعها : أن الجنة التي هي دار الثواب لا يفنى نعيمها لقوله تعالى :﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ وِظِلُّهَا﴾ [ الرعد : ٣٥ ] ولقوله تعالى :﴿وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ فَفِى الجنة خالدين فِيهَا﴾ [ هود : ١٠٨ ] إلى أن قال :﴿عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [ هود : ١٠٨ ] أي غير مقطوع، فهذه الجنة لو كانت هي التي دخلها آدم عليه السلام لما فنيت، لكنها تفنى لقوله تعالى :﴿كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَه﴾ [ القصص : ٨٨ ] ولما خرج منها آدم عليه السلام لكنه خرج منها وانقطعت تلك الراحات.
وخامسها : أنه لا يجوز في حكمته تعالى أن يبتدىء الخلق في جنة يخلدهم فيها ولا تكليف لأنه تعالى لا يعطي جزاء العاملين من ليس بعامل ولأنه لا يهمل عباده بل لا بد من ترغيب وترهيب ووعد ووعيد، وسادسها : لا نزاع في أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام في الأرض ولم يذكر في هذه القصة أنه نقله إلى السماء، ولو كان تعالى قد نقله إلى السماء لكان ذلك أولى بالذكر لأن نقله من الأرض إلى السماء من أعظم النعم، فدل ذلك على أنه لم يحصل، وذلك يوجب أن المراد من الجنة التي قال الله تعالى له :﴿اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة﴾ جنة أخرى غير جنة الخلد. (١)
القول الثاني : وهو قول الجبائي : أن تلك الجنة كانت في السماء السابعة والدليل عليه قوله تعالى :﴿اهبطوا مِنْهَا﴾ [ البقرة : ٣٨ ]، ثم إن الإهباط الأول كان من السماء السابعة إلى السماء الأولى، والإهباط الثاني كان من السماء إلى الأرض.