لقائل أن يقول : إنه تعالى قال ههنا :﴿وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا﴾ وقال في الأعراف :﴿فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ [ الأعراف : ١٩ ] فعطف ﴿كُلاَ﴾ على قوله :﴿اسكن﴾ في سورة البقرة بالواو وفي سورة الأعراف بالفاء فما الحكمة ؟ والجواب : كل فعل عطف عليه شيء وكان الفعل بمنزلة الشرط، وذلك الشيء بمنزلة الجزء عطف الثاني على الأول بالفاء دون الواو كقوله تعالى :﴿وَإِذَا قُلْنَا * ادخلوا هذه القرية فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا﴾ [ البقرة : ٥٨ ] فعطف كلوا على ادخلوا بالفاء لما كان وجود الأكل منها متعلقاً بدخولها فكأنه قال إن أدخلتموها أكلتم منها، فالدخول موصل إلى الأكل، والأكل متعلق وجوده بوجوده يبين ذلك قوله تعالى في مثل هذه الآية من سورة الأعراف :﴿وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسكنوا هذه القرية وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ﴾ [ الأعراف : ١٦١ ]، فعطف كلوا على قوله اسكنوا بالواو دون الفاء لأن اسكنوا من السكنى وهي المقام مع طول اللبث والأكل لا يختص وجوده بوجوده لأن من دخل بستاناً قد يأكل منه وإن كان مجتازاً فلما لم يتعلق الثاني بالأول تعلق الجزاء بالشرط وجب العطف بالواو دون الفاء، إذا ثبت هذا فنقول : إن ﴿اسكن﴾ يقال لمن دخل مكاناً فيراد منه الزم المكان الذي دخلته ولا تنتقل عنه، ويقال أيضاً لمن لم يدخل اسكن هذا المكان يعني ادخله واسكن فيه، ففي سورة البقرة هذه الأمر إنما ورد بعد أن كان آدم في الجنة فكان المراد منه اللبث والاستقرار، وقد بينا أن الأكل لا يتعلق به فلا جرم ورد بلفظ الواو.
وفي سورة الأعراف هذا الأمر إنما ورد قيل : أن دخل الجنة فكان المراد منه دخول الجنة وقد بينا أن الأكل يتعلق به فلا جرم ورد بلفظ الفاء. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٣ صـ ٥﴾