فصل


قال الفخر :
قوله :﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ لا شبهة في أنه نهى ولكن فيه بحثان.
الأول : أن هذا نهي تحريم أو نهي تنزيه فيه خلاف، فقال قائلون : هذه الصيغة لنهي التنزيه، وذلك لأن هذه الصيغة وردت تارة في التنزيه وأخرى في التحريم، والأصل عدم الاشتراك فلا بد من جعل اللفظ حقيقة في القدر المشترك بين القسمين، وما ذلك إلا أن يجعل حقيقة في ترجيح جانب الترك على جانب الفعل من غير أن يكون فيه دلالة على المنع من الفعل أو على الإطلاق فيه، لكن الإطلاق فيه كان ثابتاً بحكم الأصل، فإن الأصل في المنافع الإباحة، فإذا ضممنا مدلول اللفظ إلى هذا الأصل صار المجموع دليلاً على التنزيه، قالوا : وهذا هو الأولى بهذا المقام لأن على هذا التقدير يرجع حاصل معصية آدم عليه السلام إلى ترك الأولى ومعلوم أن كل مذهب كان أفضى إلى عصمة الأنبياء عليهم السلام كان أولى بالقبول، وقال آخرون : بل هذا النهي نهي تحريم واحتجوا عليه بأمور.
أحدها : أن قوله تعالى :﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ كقوله :﴿وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ﴾ [ البقرة : ٢٢٢ ] وقوله :﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتى هِىَ أَحْسَنُ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ] فكما أن هذا للتحريم فكذا الأول.
وثانيها : أنه قال :﴿فَتَكُونَا مِنَ الظالمين﴾ [ البقرة : ٣٥ ] معناه إن أكلتما منها فقد ظلمتما أنفسكما ألا تراهما لما أكلا ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾ [ الأعراف : ٢٣ ].


الصفحة التالية
Icon