وأمر يوسف بن كريون أن يقرب منهم ويبلغ معهم الغاية في القول ويستدعيهم إلى المسالمة ويبذل لهم من الأمان والعهود ما يثقون به ويسكنون إليه، فوقف قدام باب المدينة وقال : اسمعوا مني يا معشر بني إسرائيل ما أنا مخاطبكم به، فإني إنما أخاطبكم يما ينفعكم ويعود بصلاحكم إن قبلتموه، واعلموا أن محاربة الأعداء ومقاومتهم قد كانت تحسن بكم حين كانت بلدانكم عامرة، وعساكركم متوافرة، وأحوالكم مستقيمة، فأما بعد أن بلغتم إلى هذه الحال، من خراب البلدان وفناء الرجال، وذهاب النعم واختلال الأحوال، فكيف تطمعون في مقاومة هذه الأمة العظيمة القوية التي قد قهرت الممالك والأمم واستولت عليهم، فعلى أيّ شيء تعتمدون؟ فإن قلتم : إنا نعتمد على الله عز وجل ونرجو أن ينصرنا كما جرت عادته مع آبائنا، فيجب أن تعلموا أنه هو الذي سلط عليكم هذه الأمة لسوء أفعالكم وكثرة ذنوبكم، لأنكم ارتكبتم المحارم، وسفكتم الدماء، ونجستم هيكل الله المقدس، وقتلتم كهنته وصلحاء أمته ظلماً، فكيف ترجون من الله النصر والمعونة مع هذه الأفعال القبيحة والله لا ينصر من عصاه، وإن كنتم تتكلون على الحصون والعدد والعساكر فأنتم تعلمون أن جميع ذلك قد ذهب أكثره، ولم يبق منه إلا القليل، وهذه المدينة قد هدم سوران من أسوارها ولم يبق غير واحد وهم مجدون في هدمه، وأنتم كل يوم في نقصان وضعف وعدوكم في زيادة وقوة، فإن دمتم على ما أنتم عليه هلكتم ولم يبق منكم باقية، فإن قلتم : إنا نختار القتل على الذل للأمم وطاعتهم، فقد علمتم أن آباءنا وأصولنا - وهم السادة الذين يجب علينا أن نقتدي بهم - لم يمتنعوا من مسالمة الأمم الذين جاوروهم ومداراتهم، ولو كان أمراً مكروهاً لقد كانوا أولى بكراهته منكم، والمتقدمون منا أطاعوا المصريين في أزمان كثيرة وملوك الموصل والكسدانيين والفرس ثم اليونانيين الذين جاروا عليهم وأساؤوا إليهم وصبروا على ظلمهم لهم على أن