فصل


قال الفخر :
﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أنه تعالى حكى عنهم أنهم لما عصوا سلط عليهم أقواماً قصدوهم بالقتل والنهب والسبي، ولما تابوا أزال عنهم تلك المحنة وأعاد عليهم الدولة، فعند ذلك ظهر أنهم إن أطاعوا فقد أحسنوا إلى أنفسهم، وإن أصروا على المعصية فقد أساؤا إلى أنفسهم، وقد تقرر في العقول أن الإحسان إلى النفس حسن مطلوب، وأن الإساءة إليها قبيحة، فلهذا المعنى قال تعالى :﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾.
المسألة الثانية :
قال الواحدي : لا بد ههنا من إضمار، والتقدير : وقلنا إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، والمعنى : إن أحسنتم بفعل الطاعات فقد أحسنتم إلى أنفسكم من حيث إن ببركة تلك الطاعات يفتح الله عليكم أبواب الخيرات والبركات، وإن أسأتم بفعل المحرمات أسأتم إلى أنفسكم من حيث إن بشؤم تلك المعاصي يفتح الله عليكم أبواب العقوبات.
المسألة الثالثة :
قال النحويون : إنما قال :﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ للتقابل والمعنى : فإليها أو فعليها مع أن حروف الإضافة يقوم بعضها مقام بعض، كقوله تعالى :﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا﴾ [ الزلزلة : ٤، ٥ ] أي إليها.
المسألة الرابعة :
قال أهل الإشارات هذه الآية تدل على أن رحمة الله تعالى غالبة على غضبه بدليل أنه لما حكى عنهم الإحسان أعاده مرتين فقال :﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ﴾ ولما حكى عنهم الإساءة اقتصر على ذكرها مرة واحدة فقال :﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ ولولا أن جانب الرحمة غالب وإلا لما كان كذلك.
ثم قال تعالى :﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ الأخرة﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :


الصفحة التالية
Icon