فما الناس إلاّ عاملان فعامل...
يتبر ما يبني وآخر رافع
والظاهر أن ﴿ ما ﴾ مفعولة بيتبروا أي يهلكوا ما غلبوا عليه من الأقطار، ويحتمل أن تكون ما ظرفية أي مدة استيلائهم عسى ربكم أن يرحمكم بعد المرة الثانية إن تبتم وانزجرتم عن المعاصي، وهذه الترجئة ليست لرجوع دولة وإنما هي من باب ترحم المطيع منهم، وكان من الطاعة أن يتبعوا عيسى ومحمداً عليهما السلام فلم يفعلوا.
﴿ وإن عدتم ﴾ إلى المعصية مرة ثالثة عدنا إلى العقوبة وقد عادوا فأعاد الله عليهم النقمة بتسليط الأكاسرة وضرب الأتاوة عليهم.
وعن الحسن عادوا فبعث الله محمداً ( ﷺ ) فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
وعن قتادة : ثم كان آخر ذلك أن بعث الله عليهم هذا الحي من العرب فهم منه في عذاب إلى يوم القيامة انتهى.
ومعنى ﴿ عدنا ﴾ أي في الدنيا إلى العقوبة.
وقال تعالى :﴿ وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ﴾ ثم ذكر ما أعدّ لهم في الآخرة وهو جعل جهنم لهم ﴿ حصيرا ﴾ والحصير السجن.
قال لبيد :
ومقامه غلب الرجال كأنهم...
جن لدى باب الحصير قيام
وقال الحسن : يعني فراشاً، وعنه أيضاً هو مأخوذ من الحصر والذي يظهر أنها حاصرة لهم محيطة بهم من جميع جهاتهم، فحصير معناه ذات حصر إذ لو كان للمبالغة لزمته التاء لجريانه على مؤنث كما تقول : رحيمة وعليمة، ولكنه على معنى النسب كقوله السماء منفطر به أي ذات انفطار. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٦ صـ ﴾