وقال ابن عاشور :
قوله :﴿ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ﴾
من جملة المقضي في الكتاب مما خوطب به بنو إسرائيل، وهو حكاية لما في الإصحاح التاسع والعشرين من كتاب أرميا "وصلُّوا لأجلها إلى الرب لأنه بسلامها يكون لكم سلام".
وفي الإصحاح الحادي والثلاثين "يقول الرب أزرعُ بيت إسرائيل وبيتَ يَهوذا ويكون كما سهرِتُ عليهم للاقتلاع والهدم والقَرض والإهلاك، كذلك أسْهَر عليهم للبناء والغرس في تلك الأيام لا يقولون : الآباء أكلوا حِصْرِماً وأسنان الأبناء ضَرِستْ بل كل واحد يموت بذنبه كل إنسان يأكل الحِصْرِم تَضرِس أسنانُه".
ومعنى ﴿ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ﴾ أننا نرد لكم الكرة لأجل التوبة وتجدد الجيل وقد أصبحتم في حالة نعمة، فإن أحسنتم كان جزاؤكم حسناً وإن أسأتم أسأتم لأنفسكم، فكما أهلكنا مَن قبلكم بذنوبهم فقد أحسنا إليكم بتوبتكم فاحذروا الإساءة كيلا تصيروا إلى مصير مَن قبلكم.
وإعادة فعل ﴿ أحسنتم ﴾ تنويه فلم يقل : إن أحسنتم فلأنفسكم.
وذلك مثل قول الأحوص :
فإذا تَزول تزول عن مُتخمّط
تُخشى بوادِره على الأقرانِ...
قال أبو الفتح ابن جني في شرح بيت الأحوص في الحماسة : إنما جاز أن يقول ( فإذا تَزولُ تزول ) لِما اتصل بالفعل الثاني من حرف الجر المفادة منه الفائدة.
ومثله قول الله تعالى :﴿ هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كم غوينا ﴾ [ القصص : ٦٣ ]، ولو قال : هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم لم يفد القول شيئاً كقولك : الذي ضربتهُ ضربتُه.
وقد كان أبو علي امتنع في هذه الآية مما أخذناه ( في الأصل أجزناه ) غير أن الأمر فيها عندي على ما عرفتُك ا ه.


الصفحة التالية
Icon