والظاهر أن امتناع أبي علي من ذلك في هذه الآية أنه يرى جَواز أن تكون أغويناهم تأكيداً لأغوينا وقوله : كما غوينا استئنافاً بيانياً، لأن اسم الموصول مسند إلى مبتدأ وهو اسم الإشارة فتم الكلام بذلك، بخلاف بيت الأحوص ومثال ابن جني : الذي ضربته ضربتهُ، فيرجع امتناع أبي علي إلى أن ما أخذه ابن جني غير متعين في الآية تعيُّنَه في بيت الأحوص.
وأسلوب إعادة الفعل عند إرادة تعلق شيء به أسلوب عربي فصيح يقصد به الاهتمام بذلك الفعل.
وقد تكرر في القرآن، قال تعالى :﴿ وإذا بطشتم بطشتم جبارين ﴾ [ الشعراء : ١٣٠ ] وقال :﴿ وإذا مروا باللغو مروا كراما ﴾ [ الفرقان : ٧٢ ].
وقوله : إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم } جاء على طريقة التجريد بأن جعلت نفس المحسن كذات يحسن لها.
فاللام لتعدية فعل ﴿ أحسنتم ﴾، يقال : أحسنت لفلان.
وكذلك قوله :﴿ وإن أسأتم فلها ﴾.
فقوله :﴿ فلها ﴾ متعلق بفعل محذوف بعد فاء الجواب، تقديره : أسأتم لها.
وليس المجرور بظرف مستقر خبراً عن مبتدأ محذوف يدل عليه فعل ﴿ أسأتم ﴾ لأنه لو كان كذلك لقال فعَلَيها، كقوله في سورة [ فصلت : ٤٦ ] ﴿ من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ﴾
ووجه المخالفة بين أسلوب الآيتين أن آية فصلت ليس فيها تجريد، إذ التقدير فيها : فعمله لنفسه وإساءته عليه، فلما كان المقدر اسماً كان المجرور بعده مستقراً غير حرف تعدية، فجرى على ما يقتضيه الإخبار من كون الشيء المخبَر عنه نافعاً فيخبر عنه بمجرور باللام، أو ضاراً يخبر عنه بمجرور بـ ( إلى )، وأما آية الإسراء ففعل أحسنتم وأسأتم الواقعان في الجوابين مقتضيان التجريد فجاءا على أصل تعديتهما باللام لا لقصد نفع ولا ضر.
تفريع على قوله :﴿ وإن أسأتم فلها ﴾ [ الإسراء : ٧ ]، إذ تقدير الكلام فإذا أسأتم وجاء وعدُ المرة الآخرة.


الصفحة التالية
Icon