فصل


قال الفخر :
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (٩) ﴾
اعلم أنه تعالى لما شرح ما فعله في حق عباده المخلصين وهو الإسراء برسول الله ﷺ، وإيتاء الكتاب لموسى عليه الصلاة والسلام، وما فعله في حق العصاة والمتمردين وهو تسليط أنواع البلاء عليهم، كان ذلك تنبيهاً على أن طاعة الله توجب كل خير وكرامة ومعصيته توجب كل بلية وغرامة، لا جرم أثنى على القرآن فقال :﴿إِنَّ هذا القرءان يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾.
واعلم أن قوله تعالى :﴿دِينًا قِيَمًا مّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [ الأنعام : ١٦١ ] يدل على كون هذا الدين مستقيماً، وقوله في هذه الآية :﴿لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ يدل على أن هذا الدين أقوم من سائر الأديان.
وأقول : قولنا هذا الشيء أقوم من ذاك، إنما يصح في شيئين يشتركان في معنى الاستقامة، ثم كان حصول معنى الاستقامة في إحدى الصورتين أكثر وأكمل من حصوله في الصورة الثانية، وهذا محال لأن المراد من كونه مستقيماً كونه حقاً وصدقاً، ودخول التفاوت في كون الشيء حقاً وصدقاً محال، فكان وصفه بأنه أقوم مجازاً، إلا أن لفظ الأفعل قد جاء بمعنى الفاعل كقولنا : الله أكبر أي الله كبير، وقولنا : الأشج والناقص أعدلا بني مروان، أي : عادلاً بني مروان، أو يحمل هذا اللفظ على الظاهر المتعارف، والله أعلم.
البحث الثاني : قوله :﴿لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ نعت لموصوف محذوف، والتقدير : يهدي للملة أو الشريعة أو الطريقة التي هي أقوم الملل والشرائع والطرق، ومثل هذه الكناية كثيرة الاستعمال في القرآن كقوله :﴿ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [ فصلت : ٣٤ ] أي بالخصلة التي هي أحسن.


الصفحة التالية
Icon